نفس كانت تزهو بطهارتها ، براءة الكلمات التي لم تُحَدِث بكذبة قط ولا جرحت لسانه بِفُحش ، كلماته طرب يهز أذان أصدقائه ومن حوله ليجدفوا سويا حتى احتضان منابع المياه ورسم الحدود بالورود .
اُختزلت كل تلك المشاعر وردود الأفعال التي كانت يوما ما تلقائية إلى أحداث يفكرون فيها ألف مرة ، اُتبعُوا مِن خلفهم بأشباح الخوف أعلى أكتافهم ورهبة المراقبة الدائمة لتسمع ضجتها داخل عقولهم ويتخذوا خطوات غير آدمية بحق أنفسهم ، هانت الآدمية لتجتر على من تبقى ممن أصبحوا غرباء ! ، غرباء لأنهم حملوا الجلال ومهابة أنفسهم وجمالهم في أرض خرقاء لا تُصلحها رقعات كلما رصت خيوطها جرحت قلوبهم وكأن التئام الجرح وخياطته أشد عذابا ! ..
النور أيضا لم يجد طريقه إلى نفوسهم من جديد بعد أن انتكست ، تنكمش ذراته ويزحف مثل ظل شق مباني الضلال ليحاول اثبات وجوده ، مجرد محاولة وحسب ، لا فرق إن أعدمت شموع التجديد لأن الظلام طرق الباب بكل جرأة .
تجمعوا جميعا حول من سقاهم كل تلك المشاعر بكأس ظنوه ترياقا شافيا إلا أنه كان سما تفشى في نفوسهم دون رحمة .
صدره استحق عشرين طعنة ليعرف أنه ينزف مثل الجميع ، ليعرف أن روحه هي أول الفارين .
الليل كان أنسب وقت لرفع أثقال تلك الحكاية ونثر ذكرياتهم ودفن جثمانه المتقطر دماً ...
مشهد لن ينسى ، إلى كل من تخصه كل تلك الكلمات ، لا ترتحل ...