اقترن أسم الحشد الشعبي بالفتوى الشرعية للمرجعية الدينية والغيرة الوطنية والحمية العراقية , وان كان الحشد الشعبي واشباهه من حركات وجماعات المقاومة والتحرر ومقارعة الظالمين والفاسدين ؛ موجودا منذ القدم , فالعراقيون منذ الازل هم مقاومون مقاتلون مجاهدون معارضون لكل انساق التسلط والجور والدكتاتورية والتبعية والاحتلال والعدوان ؛ فالحمية والغيرة والعزة تجري في العراقيين مجرى الدم في الشرايين , وتتناقل صفات الشجاعة وسمات البسالة فيهم مع الجينات الوراثية ؛ فالسلم عندهم استثناء والقتال والمعارضة والنضال والتحدي هو القاعدة .
الحشديون عراقيون بكل ما لهذه الكلمة من معنى , ويخطئ من يظن انهم شواذ القاعدة ؛ بل هم القاعدة وجوهر الهوية الوطنية وروح النخوة العراقية , فلم ولن يهدأ العراقيون ما دام هنالك احتلال او اختلال او ظلم او جور او عدوان او تبعية خارجية ؛ فهم منا ونحن منهم , وكالعادة جسد العراقيون الحشديون اروع صور الوفاء والنبل والاخلاص والوطنية والمبدئية ؛ اذ هبوا عام 2014 وحدانا وجماعات بوجه الحركات التكفيرية الهمجية والتنظيمات الاجرامية والفصائل المسلحة والعصابات الارهابية والتي تشكلت من 83 جنسية اجنبية حاقدة , والتي اجتاحت الاراضي العراقية وفتكت بأبناء الامة العراقية وكبدت العراق ؛ خسائر جسيمة بالأرواح والممتلكات ؛ وقد جاء الالاف من الذباحة المجرمين والقتلة الارهابيين بمساعدة ايتام النظام وازلام البعث وضباع الطائفية الى العراق ودنسوا تراب بلاد الرافدين , مدججين بمختلف الاسلحة ومحملين بالأموال ؛ ومنطلقين من منطلقات طائفية حاقدة وسياسية مشبوهة ومؤمنين بأفكار اجرامية ورؤى ظلامية وعقائد وفتاوى تكفيرية ؛ اذ لم يكن ارهابهم ناشئاً عن رغبة تدميرية او اجرامية بلا مبرر ؛ ولم ينتموا لجماعاتهم دون سبب , ولم يقاتلوا العراقيين من دون وعي وهدف , انما جاؤا مؤمنين بما يفعلون او مأمورين بما يرتكبون من جرائم ؛ وعندهم اهداف محددة يريدون الوصول اليها ... .
و ولت الجموع الدبر , وهرب الجميع , وتفرج الاكراد على المشهد , ولم يحرك الامريكان ساكنا , واندحرت القوات العراقية المسلحة , وتقهقرت الشرطة وسائر الاجهزة الامنية , وخلت المحافظات الغربية من مظاهر الدولة وتواجد الحكومة , ودفعت الانظمة العربية والاقليمية الاموال لتلك الحركات الارهابية وقدمت لهم الدعم المعنوي واللوجستي والاعلامي , ولم يبق في الساحة سوى الحشد الشعبي وبعض التشكيلات المسلحة العراقية البطلة , والحقوا هزيمة نكراء بتلك الحركات والتنظيمات والعصابات ومن يقف وراءها , وبات للحشد الشعبي قبولا وطنيا جماهيرا واقليميا ودوليا , واضحى مضربا للأمثال في التضحية والنضال ومواجهة الاشرار , واجهض مخططات الاعداء , ولكن بطولات وصولات الحشد الشعبي لم تعجب ممولي الارهاب واعداء العراق وخصوم التجربة الديمقراطية والمتربصين بالعملية السياسية من عملاء الداخل واعداء الخارج , وعندها بدأت حملات التسقيط والتشويه وبث الدعايات ونشر الاكاذيب والاشاعات ؛ بدءا من اتهام المجاهد النبيل والمقاتل الاصيل بسرقة الثلاجات والمجمدات و وصولا الى سرقة الابقار والخرفان وانتهاءا بانتهاكات حقوق الانسان ؛ واصبحوا يتصيدون بالماء العكر , حيث صاروا يفتشون عن ادق التفاصيل ويبحثون عن الخصوصيات ويتدخلون في الشؤون العقائدية والدينية لهذا المجاهد او ذاك الفصيل ؛ علهم يعثرون على مثلبة , علما ان كل الجيوش والتشكيلات المسلحة لا تخلو من عناصر تسيء الى سمعة تلك الجيوش والجماعات ؛ بما فيها جيوش الانبياء والصحابة والخلفاء والدول المعاصرة , واستمروا ولا زالوا في تشويه صورة ابناء الحشد الشعبي ، امام العالم والرأي العام فضلا عن الداخل العراقي ، فتارة يربطوه بالخارج وتارة اخرى بالخروج عن القانون وثالثة بتهديد الامن الوطني ... الخ ؛ فأخذوا بنشر الاخبار الكاذبة والمسرحيات المفتعلة ، والصور المفبركة والفيديوهات المدبلجة واللقاءات المتفق عليها بين الاطراف الاعلامية , والتركيز على الفضائح والجرائم غير الواقعية وتداولها بواسطة وسائل الاعلام العام ومنصات السوشيال ميديا ... الخ ؛ للنيل من الحشد الشعبي وتسفيه قضيته الوطنية والتقليل من شأن تضحياته التاريخية الجسيمة ؛ ثم ارتفعت وتيرة استهداف الحشد الشعبي اذ استهزأ الاعداء بالمرجعية الدينية وقيادات الحشد وشهداؤه بل وصلت النوبة الى عقائد الشيعة المسلمين ... .
ومهما حاول المستكبرون والمنكوسون والاجانب والاعداء والغرباء والدخلاء تشويه سمعتهم والاساءة اليهم , والعمل على استئصالهم ومحو ذكرهم ؛ باءوا بالفشل والخيبة ؛ و لم يزدادوا – ابناء الحشد – إلاّ نماء وكثرة وعزة ومنعة ، وذكرا في الخالدين ، واعداؤهم إلاّ هباءً وبددا حتى لا يبقى منهم باقية تذكر ، لانهم الاصلاء واعداءهم الاجانب الطارئون الدخلاء .
وكل الاشكاليات السياسية والدينية والثقافية وسلوكيات بعض المحسوبين على الحشد الشعبي سواء من الافراد او الجماعات والفصائل ؛ قابلة للحوار والنقاش والمعالجة والحلحلة ؛ فإساءة البعض لا تسري على الكل وخطأ الفرد لا تدفع الجماعة ثمنه ؛ اذ لا تزر وازرة وزر اخرى , وكما قال المثل العراقي الدارج : (( كل لشة تتعلك من كراعها )) ويجب ان لا تحجب تلك الاخطاء انجازات وانتصارات الحشد الشعبي ولا تلغي هذه الاشكاليات الاهمية الوطنية والامنية للحشد الشعبي ؛ وعليه ينبغي على الحكومة و المرجعية الدينية والنخب والشخصيات الوطنية والاحزاب السياسية ان تحافظ قدر الامكان على الحشد الشعبي ؛ ومن الواضح ان الحكومات الوطنية تعمل على تعزيز عناصر قوتها وتنويع اجهزتها الامنية والعسكرية والاستفادة من الطاقات البشرية والعقائدية والوطنية بما يصب في صالح الوطن والمواطن .
الا ان هذا لا يعني ان يترك حبل الحشد على غاربه ؛ بل يجب تطهير الحشد من العناصر السيئة , وادراج الحشد بكافة فصائله تحت راية الحكومة العراقية المنتخبة , ومعاملة الحشد كأي قوة حكومية مسلحة تابعة لوزارة الدفاع او الداخلية ؛ فالبشمركه ليسوا اكثر وطنية من ابناء الحشد الغيارى ؛ والعمل على فرز القيادات الانتهازية والجماعات المرتبطة بالأجندات الخارجية وسحب صفة الحشد الشعبي منها ؛ كي لا يصبح الاخضر بسعر اليابس كما يقول المثل العراقي الدارج .
وليكن بعلم الامريكان والصهاينة ومن لف لفهم , ان استهداف الحشد الشعبي واستئصال وجوده الشرعي والقانوني وقتل ابناءه واغتيال قادته وابطاله ؛ لا يصب بمصلحة احد بل يجر العراق والمنطقة والمصالح الدولية الى المجهول , ويعرض الامن الاهلي والسلم المجتمعي للخطر ؛ فلأبناء الحشد عوائل واصدقاء وجيران وعشائر , وهم مرتبطون بنا ونحن مرتبطون بهم , وقتلهم وابادتهم يعني اعلان الحرب على العراق كله , بل وإفشال التجربة الديمقراطية وتدمير البلاد من خلال استهداف البنى التحتية او العناصر الامنية او تعطيل المشاريع والتنمية ؛ مما يدفع العراق والعراقيون للانتقام وأخذ الثأر , وتوسيع رقعة الحرب , وهذا الامر ينذر باندلاع حرب اقليمية شاملة تعطل مصالح الغرب .
نحن العراقيون اخوة , وهذه الاختلافات فيما بيننا لا تفسد للود قضية , ومن العار ان يفرح المواطن عندما يقتل اخيه المواطن على يد الاعداء والامريكان والصهاينة , فهذا الخلق الدنيء يرخص دماءنا ويجرأ الاعداء على قتلنا وابادتنا وتدمير مدننا ومناطقنا , ولا يوجد مبرر شرعي او قانوني او اخلاقي او وطني , يدفعنا للفرح او غض الطرف عندما يقوم الاعداء باستهداف ابناء الحشد الابرياء الذين لم يقترفوا ذنبا سوى دفاعهم عن العراق والعراقيين , وان ارتباط هذا الشخص او ذلك الفصيل بالمقاومة الاسلامية الاقليمية لا يبرر للأعداء قصف الحشد واستهداف ابناءه الابرياء .
ومن الواضح ان استهداف ابناء الحشد وبالأسلحة الحديثة الفتاكة ؛ يوقع الكثير من الضحايا والجرحى , ويجعل في كل بيت عراقي نائحة , مما يثير مشاعر الغضب والاستهجان والاستنكار ضد الامريكان والغرب , ويؤدي الى نشوء الحركات المسلحة التي قد تستهدف الحكومة والمصالح والسفارات الغربية في العراق والمنطقة , بل قد يتطوع البعض منهم للذهاب وقتال الصهاينة في لبنان وفلسطين وغيرهما , وعليه يجب على الامريكان كبح جماح الصهاينة والنظر بعين الاعتبار لما يمثله الحشد الشعبي من قيمة وطنية واخلاقية ودور ابناءه وعناصره في حفظ امن العراق وتنميته وحمايته من الاخطار المحدقة به من كل حدب وصوب , وليعلم الامريكان ان الاطاحة بالحشد قد تعني الاطاحة بالتجربة الديمقراطية والعملية السياسية وفتح ابواب العراق امام جحافل الارهابيين وشراذم الذباحة التكفيريين , مما يؤدي الى حرق كل شيء في العراق , والتضحية بكل المنجزات والانجازات السابقة ؛ نعم نحن مع تقنين الحشد وتهذيبه وتخليصه من عناصر الضعف والانفلات والاستهتار والغطرسة وعدم الانصياع للأوامر الحكومية وتوجيهات المرجعية الدينية ؛ الا اننا ضد قصف المقرات واستهداف القيادات واغتيال عناصر الحشد وقتلهم وتصفيتهم .
هنالك مثل شعبي يقول (ادفعها بكصبة كبل متدفعها بمردي ) فالحكيم من يدفع الامور ويحل المشاكل وهي صغيرة ومحصورة قبل ان تصعب وتتمدد وتكبر ويصبح من الصعب حلها ؛ فالتعاطي مع الامور والتحديات لا يتم بالتهور والشعارات دائما , ومقارعة الاعداء الاقوياء لا ينحصر باستخدام الاسلحة البسيطة بل بالحكمة والديبلوماسية احيانا , ومن الغباء ان يذهب البعض للاتفاق مع الجهة الدولية الضعيفة ويترك القوية خلف ظهره , او ان يضع بيضه كله في سلة واحدة , ومن غير المعقول ان يكون المفاوض الدولي من حمل السلاح في الجبهة ؛ فلكل مجال رجاله , فالقتال شيء والسياسة والتفاوض شيء اخر , ولا يوجد انتصار اعظم من ان يحفظ الرجل ارضه و وطنه ويحقن دمه ودم بني جلدته ويعزز سيادته ومكانته ويطور امكاناته وطاقاته .
ونرجع ونكرر على ضرورة وحدة الصف الوطني وحقن دماء ابناء الحشد الشعبي ؛ ولعل المثل الشعبي الدارج ( اضرب الخشم (تهمل) تدمع العين ) ينطبق تمام الانطباق على حالة الحشد الشعبي والمجتمع العراقي ؛ فالعراقيون يحترمون ابناء الحشد ويقدرون جهودهم ويقدسون دماءهم الزكية التي سالت دفاعا عن الوطن والمواطن , وتصفية الحشد تعني وقوع الظلم عليهم , مما يدفع العراقي للتعاطف معهم , لأنه مع المظلوم دائما وابدا , واهانتهم قد تعني اهانة الاغلبية والامة العراقية , و التعامل مع كافة عناصر الحشد وفصائله كحالة واحدة وظاهرة فاردة , فيه الكثير من الغبن والظلم وعدم الحيادية والموضوعية , مما يثير عواطف العراقيين ويهيج مشاعرهم تجاه الامريكان والغرب والصهاينة ؛ وعندها اذا قتل الصهاينة مئة من ابناء الحشد ؛ تطوع ألف وحلوا مكانهم , وهكذا , و لعل قول الامام علي هذا : ((بقيّة السيف أبقى عدداً وأكثر ولداً )) يشير الى هذه الظاهرة العراقية العريقة ؛ فالسيف والقتل يزيد العراقي اصرارا وتحديا .