وأنا في العقد الخامس من العمر أستعيد حينا بعض محطات الماضي .. وأخرج في كل مرة بعبرة مختلفة .. ومما يلفت نظر المتأمل تنقل المرء من محطة إلى محطة ومن ظرف إلى غيره .. سواء كان برضى منه أو رغما عنه .
فأنا اليوم بين صحبة اخترتها وأحببتها فإذا بنا نتخرج من مكان دراستنا لنتباعد بعدها.. ثم نختلط بآخرين حتى نفارقهم أو يفارقونا..
ومن جهة أخرى أجدني اليوم أعمل بمكان وأعطي فيه كل مايسره الله لي من عطاء ثم وبعد عقود من الزمن أغادره لأنتقل لحياة أخرى..
تنقل تلو تنقل .. فالآن مايسرك وغدا مايحزنك .. وفي زمن تمرض وبعده تشفى .. واليوم تبتلى بمن يؤذيك وقد يعود لك محبا وإليك محسنا .. وقد يحصل خلاف ذلك .
إن تقلبات الإنسان من حال إلى حال ليست صدفة ولا عشوائية .. ولكن وراءها حقيقة كبرى .. من عرفها وأذعن لها كان فاتحة لنجاته وراحته.
تلك الحقيقة هي الابتلاء والاختبار.. فالله عزوجل لم يخلقنا لمجرد أن نهنأ بعيش رغد لامكدر فيه ولامنغص .
ولم يخلقنا لنخلد مع من نحب وفي المكان الذي نرغب .. ولكن لنعبده كما يريد .. ثم نعود إليه فمن حقق المطلوب منه وأحسن أحسن الله إليه وأكرمه ونعمه وآتاه نعيما لاينفد وقرة عين لاتنقطع.
ومن هرب عن طريق العبودية وأراد حياة يظنها تسعده ورفض الانقياد لأمر ربه كلا أو جزءا .. عاد إليه ليلقى جزاءه ويواجه مصيره الذي فرط في الاستعداد له .
إن فهم هذه الغاية من الخلق تجعلنا ندرك لماذا هذا التنقل من طبق إلى طبق ومن وضع إلى غيره ..
ولا عجب أن يصحب المبتلى العابد لربه حزن وألم .. تعب ونصب .. كدر وضيق .. ولكنه سيطلب ربه أن يشرح صدره وأن يعوضه عما فقده وأن يجمعه بأحبته وأن يلهمه الرشد ويفتح له أبواب الشكر والخير .
إنه ليدرك أن مع الصبر أجرا ومع الشكر مزيدا.. ويعلم أن عليه الثبات على الطاعة وتلمس ماذا يرضيك يا رب في المكان والبيئة التي نقلتني لها ؟ .
لابد أن نتعلم أن الله أرشدنا في الكتاب والسنة لمعالم درب الفلاح والنجاة فعلينا مراجعتهما وتلمس محاب الله والبعد عما يكره.
ومما أرشدنا إليه أن نبتعد عن مواطن الفتن وألانثق بإيماننا وقدراتنا وأخلاقنا فالشبه خطافة والإنسان يضعف .
فإن اضطررنا لموضع فتنة اجتهدنا بالصبر وسألنا الله الثبات وتحصنا بالفرائض والنوافل .
اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا
اللهم احفظنا بحفظك وأحسن عاقبتنا وخاتمتنا في الأمور كلها .. واجعلنا للمتقين إماما ●○•°
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأحد ١٤٤١/٥/٢٤
✍سموالهدف