قراءة ممتعة ،،
في بلدة بعيدة جميلة تعيش في هدوء وسلام وتكسو أرضها السهول الخضراء والمزارع الوافرة ، يعيش سعد وهو شاب في العشرينيات فقد أسرته منذ أن كان في السابعة من عمره ولم يتبقى له شيء يذكره بأسرته سوى شجرة الزيتون و التي كانت بمثابة الأسرة له ، كان سعد دائما ما يقضي ساعات طويلة من يومه أمام هذه الشجرة يحكي لها عن أحداث يومه و الأشخاص الذين قابلهم و الأمور التي تحدث معه وغير ذلك الكثير ، كانت البلاد في حالة من الهدوء والسلام إلى أن جاء ذلك اليوم الذي هجم فيه الأعداء على البلدة واستوطنوها ، وظلموا من كان فيها وسلبوا كل ما يملكون ولم يدعوا شيئا إلا وأفسدوه كالريح العاصفة تدمر كل ما يقف أمامها ، لم يكن لسعد أصدقاء كثر؛ لأن البلاد كانت تمر بوضع صعب و لذلك معظم اهالي البلدة بدؤ بالذهاب لقرى أكثر أمانا مما سبب لسعد الشعور بالوحدة والحزن فلا أهل ولا أصدقاء يسامرهم ويلهو معهم ، كانت أوضاع البلاد تزداد سوءا يوما بعد يوم ، مما جعل سعد يفكر في الانتقال من بلدته ولكن كان هذا الأمر صعبا جدا فكيف له أن يترك مدينته التي أحبها وترعرع بين أحضانها وكيف له أن يترك صديقته شجرة الزيتون بعد أن عاش معها سنيناً كان الأمر في غاية الصعوبة ولكن لابد له من الرحيل إذا أراد الحفاظ على حياته ، كان اتخاذ القرار صعبا بالنسبة له فذهب إلى صديقته شجرة الزيتون وحكا لها ما يختلج في صدره ، ردت الشجرة عليه بحزن وقالت : هذا القرار يعود لك ولكن صدقني لن تجد ديارا أفضل من ديارك مهما بحثت .
رد عليها متنهدا : ولكن لا بد من ذلك ، فالأوضاع في تدهور ولا مكان لي للعيش في هذه البلدة .
ردت الشجرة بنبرة حزن وغضب : هل يعقل أن بلدتك ضاقت بك ، وتفكر الرحيل عنها دون الذود والدفاع عنها ؟؟
لم يملك سعد شيئا ليقوله للشجرة ، ولكنه عزم على الذهاب في صباح الغد ، شد سعد رحاله في صباح اليوم التالي ووقف أمام الشجرة ليودعها وقال : أعدك أن أعود إليك وإلى أرض وطني , لكن أصبري حتى تهدأ الأوضاع يا عزيزتي .
لم تنطق الشجرة بكلمة سوى أنها قالت له بحزن وأسى : إلى اللقاء يا صغيري سعد.
بدأ سعد بالابتعاد شيئا فشيئا وهو يسمع صوت القنابل تعصف بالمدينة وكأنها تعصف بقلبه ، لم يكن لسعد مكان ليذهب إليه سوى مدينة في أقصى الشمال لا يعرف عنها سوى اسمها ، واصل سعد سيره لمدة يومين متواصلين لم يذق فيها طعم النوم والراحة حتى بدت مشارف المدينة تظهر شيئا فشيئا ، وصل سعد إلى المدينة وكان في غاية التعب فبحث عن أقرب مكان ليستريح فيه وبعد ذلك يبدأ في البحث عن وظيفة تمكنه من العيش ، نام سعد ولم يشعر بنفسه فاستيقظ في الساعة التاسعة مساءا وخرج ليرى الوضع في المدينة ويتعرف عليها أكثر بدأ سعد يجوب في الطرقات ولكنه لم يشعر بالأمن فوجوه الناس عابسة في هذه البلدة وليست كوجوه أهل قريته الباسمة التي تشعره بالأمان وكان هذا أول أمر مزعج واجهه سعد ، أستوقف سعد رجلا مارا فقال له متلعثما : عفـوا سـ يدي أأنا شـ اب جديد في هـ ذه البلـدة ولا أعـ رف أحدا وأنا أبحث عن وظـيفـة فهل لـ ك أن تدلـني على رجل يوظفني عنده ..
ولحسن حظه كان الرجل طيبا فقال له : بالطبع أيها الشاب المحترم هناك رجل أسمه حسن وهو يمتلك مطعما يمكن أن يساعدك في إجاد وظيفة ومطعمه في آخر الشارع .
ابتسم سعد وشكره ، ثم مضى في طريقه وعندما وصل إلى المطعم دخل وطلب مقابلة السيد حسن ، فقال له عامل في المطعم : ما الذي تريده أيها الشاب .
فقال له : أنني أبحث عن وظيفة ولذلك أود مقابلة السيد حسن .
أجابه العامل متهكما : حسنا انتظر هنا قليلا . ثم ضحك ضحكات لم يفهم سعد مغزاها ، انتظر وانتظر طويلا ، وبعد طول انتظار نادى رجل سعد وأرشده لدخول في غرفة تبدو أنها للمدير حسن ، دخل سعد بخطوات مرتجفة وألقى التحية ثم جلس لم يكن وجه حسن مطمئنا فقد بدا أنه رجل شديد وجدي ، سأله حسن مقاطعا تفكيره : أجئت تطلب وظيفة ؟
قال سعد : نعم يا سيدي
قال له بلهجة استفسار : يبدو أنك لست من أهل هذه البلدة ، أليس هذا صحيحا
أجابه : نعم يا سيدي فأنا من مدينة السلام التي دمرتها الحرب ، وجئت هنا لعلي أجد ما يعوضني عن بلدتي .
صرخ حسن في وجهه قائلا : أنا لا أوظف من ليس منا فاغرب حالا عن وجهي انصرف سعد وهو مستاء ومنزعج من تصرف ذلك الرجل فبدأ يسبه ويشتمه وعرف سبب ضحكات الرجل المتهكمة ، فكان هذا الأمر الثاني الذي أزعج سعد ولكنه فوجئ أن حسن ليس الوحيد الذي لا يوظف إلا أهل بلدته بل كل أهالي البلدة كانوا كذلك ، صدم سعد من العنصرية في هذه البلدة فلا يدخل مكانا إلا ووجد الإهانة إذا علموا أنه من تلك القرية ، حاول سعد التأقلم مع هذه الأجواء ولكن في مرة من المرات كان يمشي في الطريق في سبيل حاله فهجم عليه مجموعة من الأشقياء وسلبوه ماله وأذوه كثيرا ، فضاق ذرعا من هذه الإساءة التي يواجهها كل يوم ، فصعبت حالته جدا أحس بالغربة والوحدة حقا ، وتذكر كلام صديقته شجرة الزيتون حين قالت له (صدقني لن تجد ديارا أفضل من ديارك مهما بحثت) وبدأ سعد بالبكاء كطفل صغير أضاع لعبته وبكى كثيرا حتى جفت دموعه ، وبدأ يفكر في العودة لدياره فقد كان يقول لأن أعيش في مدينتي في الحرب وأنام على صوت القنابل أحب إلي من أن أعيش في بلدة منبوذا ، بدأ سعد يفكر تفكيرا جديا بالعودة إلى بلاده وكل ذلك بسبب المعاملة السيئة الي يجدها في هذه البلدة ، فقد حاول أن ينسجم مع الوضع كثيرا ولكن يبدو ذلك صعبا ، صحيح أن الأوضاع في بلدته لم تتحسن ولكنه عزم على العودة ، وفي الصباح بدأ سعد بحزم حقائبه وأستعد للعودة كان مشتاقا لوطنه ولصديقته شجرة الزيتون ، وبعد يومين من المسير بدأ سعد يرى وجه مدينته وكأنها تبتسم له ركض نحوها والشوق يأسر قلبه ، وما أن وضع قدمه عليها حتى أحس بأنه يملك الدنيا بأسرها صوت الطيور التي تشدو في السماء متفائلة بنصر قريب والأشجار الشامخة التي تقف على ممرات المدينة وأخيرا شجرة الزيتون التي ما إن رأته حتى تهللت فرحا بعودته ركض نحوها والسعادة تغمر قلبه عانقها وبكى في أحضانها وقال : ها قد عدت عزيزتي .
أجابته بسعادة : مرحبا بك ، ولكن هلا أخبرتني عن سبب عودتك ألم تكن تنتظر أن تهدأ الأوضاع ؟ والوضع كما ترى لم يهدأ بعد
قال لها متنهدا : صحيح أن الوضع لم يهدأ ، ولكن أدركت فعلا لأن أعيش في وطني على صوت القنابل والرصاص لأحب إلي من العيش في غيرها فأقابل بالإهانة وسوء المعاملة لقد عشت أياما كأنها كابوس حقيقي ، ولكن لا يهم ، ما يهمني هو أني عدت إليك وإلى وطني من جديد .
فرحت شجرة الزيتون بما سمعته من سعد وقالت : أخيرا أدركت أن الوطن لا يعوض .
أجابها : نعم أدركت يا عزيزتي ، وصدقيني لن أتخلى عنه ما حيت وسأقف في وجه كل من يحاول إذأه ، ومهما طال الزمن فلابد لضياء الشمس أن يعود لبيت أغلقت نوافذه بالخشب ولكن لابد للخشب أن يهترئ وبعد ذلك حتما سنرى ضياء الشمس مهما طال الزمن .
لم ينهي سعد جملته إلا وتفجرت قنابل بالقرب منه فتوقف صوت سعد وقضى نحبه في أرض وطنه وكذلك شجرة الزيتون تبعته بعد أن سقيت بدم من أحبته وأحبها (سعد) صحيح أن سعد توفي وهو لم يقف لدفاع عن وطنه ولكنه علمنا أن الوطن لا يعوض ولن نجد له بديلا
تمنيات لكم بيوم مليئ بالبشائر 😊
بقلم : بشائر بنت عبد العزيز