أي بُني، هذه رسالة استنجاد وقد مضى وقتٌ طويل، على الكتابة، ولكن الضرورة دعت للعودة إلي النُصح، فقد انتهكت المقدسات، وصرنا من التباكي على الأندلس، وسقوط الخلافة، ثم احتلال أقصانا، إلى العويل من انتهاكات بأرض الله الحرام! نعم صارت الأصوات مبحوحة، والتغريب أصبح مسيسًا هذا اليوم .. والإقصاء للمصلحين أصبح ظاهرًا
لن أقول الجواب المعهود، أن هذا طريق الأنبياء، فالأنبياء ثبتهم ربي بالوحي، وأعطاهم المعجزات، سأخبرك أنك ضعيف، نعم ضعيف
ولكن إن ترضى - كرجل حرٍ- أن تقعد مع الثكالى، والأرامل والنساء فاقعد، وإن كنت حرًا فأعلم أن الرجل الحُر ليأنف أن يوصف بتلك الصفة، فشمر عن ساعديك، وانطلق في هذا الطريق، وأعلم أنك لست وحدك الذي يدين لهذا الدين بالولاء، ويوم القيامة ستجد أننا أكثر الأمم دخولًا للجنة، ولكن سيرك في غربتك هذه يسير مثلك فيها الكثير الذي قد تعيش وتموت ولا يكتب لك اللقاء، فتلك الوحدة من ضمن الاختبارات التي وضعها الله لك، فأحبب غربتك، حبًا يقودك لطوبى، وأعلم أن الرجال الأشدّاء وإن تململوا وضجروا لا يتنازلون عن مطلوبهم ، والركون عن مرغوبهم ، مهما طال الطريق واشتدّ عليهم إلا أنهم أشد منه وأطول نفساً، ولو سار المجتمع كله فاسدًا، فأعلم أن الله لن يسألك عن فاسدهم، لكنه سيسألك بالتأكيد عن محاولاتك للإصلاح، سيسألك عن عدم تمّعر وجهك في إنكار المنكر، سيسألك عن إعداد نفسك في سبيله، بُني سل نفسك لماذا اختارك الله أنت أنت دون غيرك لقراءة تلك الأحرف، ألم يأن لك أن تتغير وتغير؟ مامعنى أن يجعل الله في قلبك هم الإصلاح؟
الله أعطاك شرف عظيم، أن تسير على خطى الأنبياء، أعطاك شرف الغربة، وأعطاك شرف أن تكون رجل ذلك الزمان، والمغِير في ذلك المكان، لقد أوكل الله إليك راية الإصلاح في هذا الوقت العصيب ، أنت أنت من بين الناس، فلئن نكستها نُكست على عقبيك وغيرك من يرفعها، ولن يكون مثلك، فإياك أن تخذل ما بين جنبيك ، أو أن تقول للبيت ربٌ يحميه،
ولا تغتر أن الله هداك، وغيرك ضال، فالقلوب بيد الرحمن وإن هذا الدين لينتصر بالفاجر المذنب ولكنه صادق مع الله، ولا ينتصر بالمنافق، الكاذب الذي يغتر بما عنده من الله
فكن عبدًا يليق بالمهمة تطهر من الذنوب، حتى تناديه فيستجب لك، وتناجيه فيقربك. ويصنعك على مراده ووفقًا لما يريد، فتحمل الدِين دون سقوط، وترفع الراية خفاقةً، وتسير على قصد السيبل وتنجو من الطرق الجائرة، والشبهات، ولا تنخدع بالسراب، فتحب غربتك، وتطمئن في ظلمة وحدتك، ويكون شراعك من يقين لا يتمزق ولا يهترئ، وأعلم أن الله خلق لك روحك داخل جسدك وتواجدت فى تلك اللحظات من نهر الزمن لتوهب حياتك كلها لله .. إن الروح التى داخلك ما خلقت إلا لتوهب لله...وعندما تستنير بنور التوحيد ستعلم أن الدنيا كلها، ليست للمتعة إنما هى دارُ عمل حتى يأتي الأجل، وتحشر في الزمرة التي اختارتها أنت وفقًا لأعمالك فإما زمرة الأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقًا
وإما زمرة الغافلين والفجار، والظالمين وما حياتك إلا مجموع اختياراتك.. وما صحيفتك إلا نتاج أعمالك، فافعل ماشئت فلك ربٌ ملاقيه، وعمل تجازى به، وميزانٌ منصوب، والسلام...