تسع سنوات مضت بعد ثورة 14 جانفي حاملة معها أطرها الممتلئة بالأحداث المرعبة و الكوارث المفاجئة و الهموم المثقلة..تسع سنوات ذهبت تاركة أثرا مدمرا في نفس كل تونسي و تونسية من عامة الشعب و الناس...بعض يتذكر تاريخ 14 جانفي كيوم انتصار و تحرر و انعتاق و البعض الآخر يتذكره كرمز للنكبة و الدمار...ذلك اليوم الذي شهد فيه الجميع تلك اللحمة و الاخوة التي جمعت ووحدت شعبا بأكمله من الأرياف و المناطق الداخلية إلى مدن و حواضر الدولة التونسية حين واصلت الاحتجاجات الشعبية مسارها و أطاحت بدكتاتور حكم مدة ثلاثة و عشرين سنة تامة بسياسة قوامها تهميش الفقراء و المساكين و تسهيل و حماية مصالح الأثرياء و بذل جهوده ولو على حساب المسحوقين لأجل الاستثمارات الخارجية و الأجنبية.

و لكن سرعان ما تفتتت و تجزئت هذه الوحدة بعد انتخابات 2011 التي مكنت حزبا إسلاميا كان محضورا من الحكم بفضل مهارته و حكمته الفنية في الدمغجة و الاستيلاء على عقول الناس .و سرعان أيضا ما انحرفت سياسة ما بعد الثورة عن تحقيق مطالب اجتماعية و اقتصادية و مدنية كانت أسسا رئيسية قامت عليها الثورة التونسية.هذا الانحراف صار نتيجة محاصصة حزبية و تعاقبات و مناوبات سياسية أحادية الجانب الحزبي و اللوني السياسي و خير مثال على ذلك ما حصل في مجلس نواب الشعب قبل أيام قليلة وهو بروز آثار حركة النهضة المحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين في حكومة الجملي الجديدة التي وقع رفضها و التصويت على حلها على أمل ارتقاب حكومة أخرى تشكل حسب الدستور و حسب الرؤية السياسية الجديدة التي تكونت لدى عامة الشعب التونسي و النخب السياسية بعد صفع المنظومة السياسية القديمة إبان الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2019.و لكن من الملاحظة و الرؤية أن هذه المنظومة المملة لا زالت قائمة الذات و خاصة بعد تنصيب ممثليها و آثارها في مجلس نواب الشعب في الانتخابات التشريعية في نفس السنة.

علاوة على ذلك،لا تزال الأوضاع في تردي و تدني على جميع المستويات.بل و زادت أكثر تدنيا و ترديا من ذي قبل.فالحدث المأساوي لموت الرضع في مستشفى الرابطة في السنة الماضية كان مثالا على التهميش المتعمد الذي يعاني منه قطاع الصحة العمومية و الحشو المتعمد  في عمل الأطباء و ممارساتهم الوضيعة تجاه المرضى و ذويهم و تجاه الميتين منهم التي لم تقابل بأي صنف من العقاب الجزائي أو القضائي.أيضا مازال أغلب المحكومين من الشعب التونسي يعانون من جور و ظلم الأمنيين و عمال الشرطة الذان كانا من المفروض أن ينتهيا بعد نهاية حكم بن علي.حيث مازالت أعمال العنف من طرف الأمنيين تستهدف مختلف فئات الشعب التونسي من الشباب إلى الطلبة و الأساتذة الجامعيين و المعلمين و مازالت أعمال القمع و الهرسلة من وسائل قوات الأمن بل و في أقسى صورها و تجلياتها التي ظهرت في عملية قمع مظاهرة الخريجين من مدارس المعلمين العليا الذين يطالبون بالانتداب العمومي و تطبيق الفصل الثاني و العشرين 22من مجلة الشغل و التي تتمثل في ثشغيل الخريجين على حسب الكفاءات المهنية و في إطار المجال العمومي للوظيفة المسندة للخريجين.

إضافة إلى ذلك،لاحظنا تذمر الناس و قلقهم المحبط من الارتفاع المتزايد للأسعار الذي أضعف المقدرة الشرائية لديهم و جعلها في انخفاض أكثر مما كانت عليه في العهد الأسبق.علاوة على غياب الأمن في مواجهة أحداث الجرائم المرتفعة و التصدي لها مما بعث أسفا و حزنا شديدين على اندلاع الثورة التي لم تؤدي إلا إلى غياب الأمان و الطمأنينة و تزايد الجريمة التي دمرت عائلات كثيرة و خربت ممتلكات متعددة و انتشار العنف بمختلف أنواعه.هذه الثورة،التي أصبح يتغنى بها مختلف الأحزاب و الطوائف السياسية في تونس في اجتماعاتهم و حفلاتهم على احتفالهم بهذا الحدث الذي أعطى المجال لعديد الحريات و الحقوق التي لم تكن في النهاية سوى مجرد شعارات مرفوعة و أوهام باعتها الأحزاب التي كانت هذه الثورة مقحمة في مصالحها السياسية و أجنداتها الداخلية و الخارجية و التي مكنتها من الصعود إلى الحكم حيث حدث ما لم يحدث إطلاقا في عهد المخلوع.

كل هذه الحقائق المأساوية التي تسجل في التاريخ بأحرف من قطران جعلت أكثر نسبة من أوساط الشعب التونسي يتسائلون عن مدى المنفعة و الفائدة التي يمكن جنيها من هذه الثورة و دفعت بهم إلى دوامة من الريبة و اليأس و الإحباط و عدم التفاؤل من مستقبلهم طوال عيشهم في تونس.حتى أن الكثير من أصبحوا يحلمون بمغادرتها بصفة أبدية للسفر نحو دول الاستقرار و الرفاه أينما ستتحسن أحوالهم و تسترد حقوقهم المسلوبة و المهدورة.أنا أيضا أصرح و أعتبر أن حالي مثل حال هؤلاء حيث لا أرى فائدة أساسية تذكر حصلت منذ قيام هذه الثورة بالرغم من عدم إنكاري لمزايا معينة كانت بفضلها.و أرى أن لا دم واحد من دماء الشهداء الذين وصل عددهم إلى 338 فردا قد حقن و لا أحد من بين2470 جريح إبان الثورة قد نال أي قسط من حقوقه العادلة و لا واحدة من بين الوضعيات الكارثية و الحرجة في أي صعيد قد تمت تسويتها في مقابل مشاكل المحسوبية و الفساد و التمييز الطبقي التي مازالت قائمة في البلاد و مشكل  البيروقراطية الفاحشة و الرأسمالية المتوحشة التي لا تزال تنهك و تسحق الشعب الذي ذاق ألوانا من الاستضعاف و الكبت و القهر و التفقير.

ولهذا يبقى عموم الشعب التونسي بين فرحه بالفوائد النادرة التي تم قطفها من ثورة14جانفي و بين ألمه و أسفه من المشهد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الاعلامي الذي مازال و يزيد في تردي و انحطاط..

شيماء#