Image title

د. علي بانافع

    في واقعنا اليوم -دائماً- ما نُشاهد إعلانات لدورات إعداد وصناعة القادة في وسائل الإعلام المختلفة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار وتكرار وإلحاح شديدين، توحي لك بشكل غريب وعجيب وملفت للنظر يجعلك تظن بأنك إن لم تسجل فيها قد يذهب عنك خير كثير؛ أو قد يضيع عليك نصف عمرك -كما يدعي أصحاب هذه الإعلانات- هذه الدورات التي رفعت أقواماً وأفراداً لا وجود لهم على أرض الواقع وإنما لهم وجود في هذه الدورات فقط، لكنهم مع الأسف أثروا على الآخرين سلباً، وساهموا في تشكيل عقول بعضنا وفي قراراته -أيضاً- المشكلة أنها زادت مع جائحة كورونا التي نعيشها -والتي أرجو من الله سبحانه أن لا تستمر طويلاً- ولكوني أعمل في جهة تؤمن بمثل هذه البرامج ولديها مركز لإعداد القادة، فما لي لا أدلي بدلوي بالدلاء، وأعمل قلمي مع الأقلام، وأبدي ما عندي سواء ما سمعته وشاهدته، أو لمسته من جوانب حياتي العلمية والعملية، دون انطلاق مع العاطفة إلى حد الإطناب، ودون إحجام مع الوجل والتهيب إلى حد الإيجاز فأقول وبالله التوفيق:

     الدورات أنواع: دورة غير مفيدة، ودورة مفيدة، ودورة مفيدة وممتعة، أما دورات إعداد وصناعة القادة فأفضل طريقة لإعدادهم وصناعتهم واقعا ملموساً وليس خيالياً -وذلك بجعل أقدامهم على الأرض- هو أن تضع على عواتقهم مسؤولية كبيرة، وهذه المسؤولية هي من تصنع القادة إضافةً للاستعداد النفسي، والقدرة والإمكانية، والقابلية، أما القادة الذين يُصنعون في ثلاثة أيام أو أسبوع عبر دورات شللية مغلقة لإعداد القادة، ودورات التعمية البشرية ولا أقول التنمية البشرية، يشبهون إلى حد كبير الناطقين باللغة الانكليزية عبر كتاب تعلم الانكليزية في أسبوع، فلا هذا تعلم لغة ولا ذاك صار قائداً!! وبالأخص مع منح المتخرجين في هذه الدورات شهادات مصدقة مدفوعة الثمن، ولعل هذا هو هدف الدورة منذ البداية، وأقول للجميع بضمنهم صُناع القادة المزعومين:

   القيادة ومن خلال التجارب الحياتية هي استعداد نفسي وموهبة فطرية ليس بمقدور أي كان اكتسابها، هي كالجاذبية "الكاريزما" تصقلها الظروف والتجارب والمصاعب الحياتية الطويلة، ولا تتحقق من خلال تعلم كم قصة وكم تجربة تثير الاعجاب لبضعة أيام؛ لم يتمكن المدرب ذاته من تطبيقها على نفسه ولا من حوله لخصوصيتها وتفردها -أحياناً- ولصعوبتها الشديدة أحيايين كثيرة، والدليل أنه بحاجة إلى مؤسسات وهمية لتعينه على منح هذه الشهادات مقابل المال، ولو كان قائداً مُلهما وقدوة لأتاه الناس من كل مكان؛ لينهلوا بعضا من فنون القيادة عنده عملياً لا نظرياً مقابل المال والشهادة الورقية وبرعاية هذه المراكز والمؤسسات الوهمية أيضاً.

    لم يتم في التاريخ الإنساني شيء عظيم بغير القادة والاعجاب بالأبطال منهم على وجه الخصوص، وقد اُعجب سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ببطولة سيد الخَلق وخير البشر رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ أحس فيه عظمة الإنسانية ولذلك وجد الخير في متابعته، والإيمان برسالته، والبطولة التي اُعجب سيدنا أبو بكر رضي الله عنه تعرفها النفس الإنسانية: الحق، والفضيلة، والاستقامة، والفداء، يُقبل عليها المُعَجب بها وهو عالم بما سيناله من ظلم الأقوياء الجاهلين، وقد كان خُلق الاعجاب بالبطولة في سيدنا أبي بكر رضي الله عنه واضح الأثر في حياته، وقد ظهر في إيمان قلبه، وروية تفكيره، وفي سياسته العامة والخاصة، وفيما تشتمل عليه تلك القيادة البطولية من أدب السلوك وعلاقته بالصحابة رضي الله عنهم والرعية عموماً، وباختصار عبقرية القادة لا تظهر في الظروف الطبيعية العادية بل تظهر في الظروف الصعبة الحرجة من خلال قدرتهم  على تحويل السلبيات إلى إيجابيات، والهزيمة إلى نصر سيف الله المسلول سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه بمعركة بمؤتة (أنموذجاً).