إن الوضع الراهن للازمة الليبية ومحاولة استشراف بداية التدرج نحو الانفراج و محاولة تقرب وجهات النظر بين رئيس وزراء طرابلس فايز السراج والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي ليستا بالأمر السهل، ذلك لعدم تواجد المختصمان وجه لوجه على مائدة المفوضات منذ الحرب على طرابلس العاصمة الليبية.
وضع ليبيا الأمني أصبح في خطر بدخول وتواجد وقوات عسكرية خارجية على الأراضي الليبية في شرق وغرب البلاد وتسرب جماعات إرهابية من الجنوب لزعزعة استقرار الدولة الليبية، ذلك سبب ضعف تحرك الطرفين نحو أجاد حلول مشتركة ترضي الطرفين بانسحاب وتراجع الجيش الليبي القادم من الشرق والاعتراف بحكومة الوفاق كحكومة شرعية منبثة من اتفاق الصخيرات المعترف بها دوليا.
نقطتان جوهريتان في أصل موضوع الأزمة الليبية، رفض تواجد الخصمان في لقاء واحد، المفترض كان حضروه فايز السراج في روما مع المشير خليفة حفتر، لكن تم اللقاء كل على انفراد في روما مع الرئيس الوزراء جوزيبي كونتي.
عدم اللقاء بين الطرفان المتخاصمان قد ضاعف من وتيرة تحرك الفضية الليبية والمخاطر التي تواجه ليبيا والمنطقة بأكملها من استقرار وأمان ليبيا على مائدة المفاوضات وفتح الملف الليبي الذي أصابه فتيل الفتنة وكثرة الفاعلين الإقليميين والدوليين فيه، حتى أصبحت ليبيا في محك الصراعات الداخلية من حرب أهلية وأطماع الدول الخارجية.
لكن جملة التطورات التي تشهدها الساحة الليبية في الحرب على طرابلس العاصمة الليبية قد تكون هي بداية التدرج نحو الانفراج كما يعتقد الخصم الأولى من المعادلة العسكرية، الذي طال انتظار العالم اجمع بوقفها والإسراع نحو الحل السياسي وليس العسكري بعد سقوط النظام السابق وفتح صفحة جديد بين أبناء الأمة الليبية.
والكل يعلم بأن ليبيا الصائغة لإطماع خارجية، على المستويين الإقليمي والدولي في الماضي والحاضر والمستقبل، أما على المستوى الداخلي فهو صراع على السلطة السيادية دون وجود دستور يقنن الصراع السياسي وينظمه مما أنتج حرب أهلية على الساحة الليبية، فكيف لنا أن نخرج من هذه الدوامة التي أرهقت إمكانيات الدولة الليبية والتوجه إلى إعادة تشكيل نظاما سياسيا دستوريا يعيد استقرار وأمن ليبيا بين أمم العالم.
كل الجهود الرامية إلى حل سياسي وسلمي للصراع المستمر في البلاد لا يتم إلا بوساطة الدول على المستويين الإقليمي والدولي التي لها المصلحة في تمويل طرفين النزاع في استمرار الأزمة الليبية، أما طلب طرف من الطرف الأخر بالرجوع إلى ثكناته العسكرية دون اتفاق ورؤية مسبقة لا تخدم المصلحة الوطنية العامة.
وكان من المتوقع وصول كل من الخصمان الشرق والغرب: رئيس وزراء ليبيا فايز السراج والمشير خليفة حفتر القائد العسكري الذي يخوض حربة على العاصمة الليبية طرابلس في لقاء مع رئيس الوزراء جوزيبي كونتي في قصر تشيجي في اجتماع وجهة للوجه لمدة ثلاث ساعات، لكن كان تخطي الموعد بين الطرفين المتنازعين.
لقد ألغى فايز السراج رحلته إلى روما وأزعجه تواجد المشير خليفة حفتر في روما لتحاول روما مرة أخرى استقبال فايز السراج على حدا دون وجود المشير خليفة حفتر، ومع وقف العمليات العسكرية في ليبيا، وباختصار جدا فشلة روما مرة أخرى في إحراز تقدم في الملف الليبي والتخلي عن الخيار العسكري.
كان فايز السراج في فترة ما بعد الظهر في بروكسل حيث التقى برئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل ورئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي والممثل الأمي للسياسية الخارجية، في محاولة طلب نهاية معانات الشعب الليبي على الفور والكف على أن تكون ليبيا ارض تصعيد أو حرب بالوكالة.
كان هنالك اجتماع رئيسي أخر هو الاجتماع الذي عقد في تركيا بين الزعيم التركي أردوغان والرئيس الروسي بوتين الذي طلب من الطرفين المتنازعين عقد هدنة من منتصف ليل الأحد، قمة تصادق فعليا على الاتفاقية بين موسكو (الموالية للمشير خليفة حفتر وأنقرة ( التي تدعم فايز السراج بالعتاد العسكري).
وأما على الصعيد الدولي فقد شهدت التحركات السياسية استمرار مجلس الأمن على دعم غسان سلامة الأستاذ الجامعي ووزير الثقافة اللبناني الأسبق والمبعوث الحالي للأمم المتحدة إلى ليبيا في أتمام خطته المرسومة بثلاث مراحل بشكل صحيح لوجود الصراعات الدولية والإقليمية على الدولة الليبية.
رفض رئيس الوزراء الليبي فايز السراج مقابلة المشير خليفة حفتر ليس من الغريب لنا بتعدد الأسباب في ذلك والتي ذكرت بالحرف الواحد من بينها الحرب على العاصمة الليبية طرابلس عن مقابلة جوزيبي كونتي الأخيرة في روما في مؤتمر صحفي وذكر أسباب النزاعات القائمة بينه وبين المشير خليفة حفتر.
لازلت أقول آن حل قصية ليبيا ليس في تنقل وزير الخارجية لويجي دي مايو في بروكسل ولقاءاته مع زملاءه من فرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا والممثل السامي للسياسة الخارجية لاتحاد وريل، لكن في أزمة التفاهم بين الطرفين المتخاصمين في الدولة الليبية لحل المشاكل العالقة بينهم.
مهما تعددت اللقاءات في الخارج ومهما تعددت المبادرات لحل القضية الليبية الشائكة، لا يوجد حل صحيح وتام إلا فرض فرصة التلاقي في قمة دولية تخرج بليبيا من الأزمة الخانقة والعثور على اتفاق كامل وشامل بين طرفين المعادلة العسكرية والسياسية.
حفتر والسراج هم قادة الجانبين النزاع ولا يمكن تجنب طرف عن الطرف الأخر والحرب هي حرب على الإرهاب وليس على طرابلس ولا على الحكومة المعترف بها دوليا، وفي حين كل من الطرفين يدعوا على مدينة السلطة والجيش الليبي هو حامي الدولة الليبية.
في حين حفتر هو المسؤول الأول على الميليشيات العسكرية التي تسيطر على شرق وقطاع جنوب ليبيا والتي منذ الفترة الماضية تريد غزو العاصمة الليبية طرابلس، كان من المفترض أن يجتمع كل من رئيسي الوزراء جوربي كونتي في روما مع الطرفين.
لكن لم يتم ذلك وبعد ثلاث ساعات مع المشير خليفة حفتر في روما خرجنا بنفس الفكرة، استمرار الحرب على طرابلس والحرب على الإرهاب وأهمية مدنية الدولة الليبية والانتخابات الرئاسية والتشريعية في غياب كامل للدستور الليبي وعدم مقدرة الأمم المتحدة من إحراز مؤتمر جامع يجمع فهيا جميع أبناء ليبيا لتقرير مصيرهم الوطني الليبي.
بقلم / رمزي حليم مفراكس