بعض الجرائم ليس لها محكمة، وليس لفاعلها دليل، تلك الجرائم لايراها قاضاة الدنيا، لكن يراها وينصب لها الميزان في الدنيا والآخرة
والقاضي ملك الملوك، علّام الغيوب،
تلك الجرائم أشد من القتل، وأفتك من الحروب،
إنها ألغامٌ ما إن تدوس عليها تنفجر في قلب صاحبها فتحرقه وماهو بالميت..
قال عنها النَّبيَّ ﷺ : إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِبِ. متفقٌ عليهِ.
فكم من عبدٍ أيقن القوى فلتسط بلسانه على الضعيف ونسى القوي، فسدد فواهة أسلِحته حتى شطر أرواحًا وجعلها تائهة، باكية في غسقِ الدُجَى، فأفسد عليها دنياها، وأفسد على نفسه أخراه، وكم من بعض المواقف لا تشترطْ تأثُّرا مباشراً، يرمي بها العبد أخاه ويظنها ذهبت دون تأثير لكنها 'ألغام' مؤقتة قابلة للانفجار في أغوار النفوس كلما داسَتها أقدام الإيذاء!
وكم من أخ جالس أخاه يمدحه، وهو لا يحمل له إلا تمني زوال النعمة، ودوام النقمة، ولسانه حاله أنا خيرٌ منه...
وكم من عبدٍ جلس يعطي النصيحة وهو لايسمعها، ولا قلبه وعهاها،
وكم من عبدٍ لم يتأدب مع مولاه،
تلك الجرائم يعلمها الله، وينظر لها، ويسجلها ملكين، ويوم القيامة لن يقف العبد وحده سيقف كل كلمة ألقيتها لك أو عليك لجوارك، وكل فعلٍ فعلته، ونظرة نظرتها
ويوم القيامة يوم تنشر الدواوين في كتاب ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ) قال عنه ابن عباس : حتى الضحك...
هنا علينا أن نتوقف، ونبكي على فات، ونصلح ماهو آت، هنا علينا أن نكثر الصمت، وننطق بما يقف لنا، بما يكون نورًا في القبر، بدعوة أخ أو أخت، فليس الشأن في الدنيا أن يدون لك الدواوين، أو أن يشار لك بالبنان، الشأن أن تخرج من الدنيا بالزاد الذي ينفعك، والعمل الذي يرفعك، ولو علمت قدر ما أنت مقدمٌ عليه لجثوت على ركبيتك، وانطلقت دموعك بالبكاء، ورفعت صوتك بالرجاء، وتأهبت ليوم اللقاء.. وما جزعت لسوء ظن العباد، ولافرحت بتزكيتهم، فقط أنت ترى جرمك العظيم، وعظمة الحليم، وليس في قولي حديثٌ إلا لنفسي، ولابأس بالتفكير أمام الخلق، والإقرار والإعتذار، فالأمانة ثقيلة، والأعمال قليلة، والنفس عليلة، فالدعاء لتلك الفتاة الشقية، أفقر الخلق، لولا ستر الغني
وأضعفهم لولا القوي..
وأضلهم لو الهادي
ووالله ما كنت لأقف على قلب أحدٍ، فأتسلط عليه، وأطلق الظنون، بقدر اليقين عندي من نكات قلبي، فاللهم اغفر وتجاوز، عما تعلم.. اللهم إن كنت أخطأت في حق أحدٍ من بعبادك بجاهلةٍ، دون قصد فتجاوز زلة لساني
وإن أخطأت بقصد فألق في قلبه العفو عن كل من أساء وأنا منهم وأسترني... إنك أن الستير