أول خطوة في القراءة التحليلية كانت إنك تحدد نوع الكتاب، هل هو كتاب نظري أم عملي؟ علمي أم فلسفي؟ أدبي أم تاريخي؟ إلخ وبما إننا أكدنا على أهمية السؤال فأكيد كل مجال هيفرق شوية في طريقة القراءة.

قراءة الكتب العملية Practical books 
إيه الفرق بين كتاب نظري وكتاب عملي؟ الكتاب النظري هدفه الرئيسي إنك تعرف أو تفهم ظاهرة معينة، الكتب التاريخية والسياسية والعلمية وبعض من الكتب الفكرية والفلسفية هدفها فقط المعرفة، مجرد معرفتك هي هدف المؤلف الوحيد. لكن الكتب العملية هدفها إنها تحل مشكلة معينة في حياتك زي أغلب كتب البيزنس، كتب الصحة الشخصية، كتب العلاقات، كتب التنمية الذاتية، وجزء من الكتب الفلسفية (الخاصة بفلسفة الأخلاق). 

-ما يميز الكتب العملية عن النظرية، إن الكتب العملية ملهاش فايدة لو مستخدمتهاش، وإن الكتاب في حد ذاته مش هيحل مشكلتك ولكن شغلك وتنفيذلك للكتاب هو الي هيحل المشكلة، ومن ثم فعشان تستفيد من أي كتاب عملي المفروض تحول (المعرفة) الي استفدتها من الكتاب إلى قواعد تنفيذية (Rules of operations) واضحة و يستحسن مرقمة عشان تقدر تمشي عليها. 

-وجب الذكر إن قبل ما تبدأ تنفذ لازمًا يتوافر شرطين: 1.إنك تكون مدرك هدف المؤلف النهائي من الكتاب (هل عايزك تبقى غني، تبقى سعيد، تخس، إلخ) وتكون متوافق مع الهدف دة وعايز تحققه 2.إنك تكون مدرك للوسائل والأساليب الي المؤلف بيعرضها لتنفيذ الهدف دة وتكون متفق معاه ومفيش تعارض بين الوسائل المذكورة وقيمك الأخلاقية والحياتية بشكل عام. لو متفق مع الهدف والوسائل فلازمًا تنفذ عشان تحقق الاستفادة. 

-يجب برده إدراك أي آجيندا ضمنية مخفية بيعرضها الكتاب كحل للمشكلة، حاليًا مدرسة التسويق بالمحتوى روجت فكرة إنك تزرع منتجاتك وخدماتك في شكل محتوى تعليمي ويكأنها جزء من العملية التعليمية. 

قراءة الكتب الفلسفية
-الفلسفة في الأساس غرضها إجابة فضول الإنسان عن الحياة ونفسه والمجتمع والكون، نزعة التفلسف هي الفضول والتساؤل وهي فطرية في كل البشر والدليل إن كل الأطفال فضوليين وبيسألوا في كل حاجة مش عارفينها وبيجربوا كل حاجة متاح يجربوها ولكن الفضول دة بتموت بمجرد ما تعقيدات الحياة تيجي وتعوق طريق البحث عن الحقيقة بالتساؤل والملاحظة والتجربة. و موضوعات الكتب الفلسفية قد تتراوح بداية من معنى الحياة أصلًا ووجود الإله وصولًا بتأثير الذكاء الاصطناعي على الإنسانية مرورًا بكيفية عيش حياة سعيدة، وماهية المعرفة، وأسباب الحضارة، ومشكلات المجتمع، والديمقراطية و الأخلاق.

-أهم خطوة في قراءة الكتب الفلسفية هي معرفة إن أي إجابة أي سؤال فلسفي لازمًا تكون نابعة منك أنت كشخص مش زي كتب الرياضيات والفيزياء مثلًا ممكن تاخدها كمسلمات ثقةً في العالم أو المؤلف، الطرح الفلسفي غرضه التفسير وليس الوصف، ومن ثم فلازمًا تجاوب الأسئلة الفلسفية (خصوصًا الأسئلة الكبرى) بنفسك لنفسك، لازمًا تعتمد على عقلك أكتر من أي عقل شخص آخر، بالتأكيد ممكن تاخد أفكار وخبرات ناس تانية عشان تستفيد (دة هدف القراءة) ولكن الإجابة النهائية ترجع ليك في الأول والأخر. 

قراءة كتب الأحداث الجارية
كتاب "Climatism" لستيف جورهام و كتاب "This changes everything, climate vs capitalism" لنعومي كلاين 
بيتكلموا عن موضوع واحد وهو (أزمة المناخ) في القرن الواحد وعشرين، من غير ما تقرأ الكتابين كاملين هتعرف إن كل واحد متحيز لجانب ومحدش بيقدم عرض موضوعي، شخص عايز يثبتلك إن التغير المناخي شيء طبيعي محض مش سببه الإنسان ومن ثم فحملات الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة هي إعاقة للحرية والتقدم، وشخص عايز يثبت إن الرأسمالية مصيبة وهي سبب كل الكوارث والبشرية هتنتهي بسبب الرأسمالية. 
تخيل بقا في الكتب السياسية الصريحة  الموضوع هيبقى عامل ازاي؟

كتب الأحداث الجارية من أكتر نوعيات الكتب الي فيها تحيزات وآجيندات صريحة وضمنية لمصالح المؤلف، ومن ثم ففيه شوية قواعد كدة عشان تعرف تقرأ قراءة نقدية سليمة وميتضحكش عليك.

-أولًا شخصية الكاتب مهمة جدًا هنا، عادي تقرأ كتاب إحصاء لمؤلف نازي أو صهيوني، ولكن في نوع دة من الكتب لازمًا تعرف هو مين وتاريخه ايه ومصالحه مع مين وهكذا.
-ثانيًا، إيه الفكرة الأساسية الي عايز (يقنعك) بيها؟ فيه كتاب (مقرأتوش) اسمه Growth by Vaclav Smil - كتاب +600 صفحة بيتكلم عن نظام النمو في البكتيريا، نظام النمو في الإنسان، نظام النمو في المدن، نظام النمو في الاقتصاد والحضارات الإنسانية...فكتاب ضخم وتقيل ومتنوع جدًأ ولكن هدفه وفكرته واحدة بس إن النمو لازمًا ينتهي، وعشان الإنسانية تستمر لازمًا نغير فكرة النمو الاقتصادي. سطر واحد بيثبت صحته في 600 صفحة. 
-ثالثًا: إيه المعرفة المميزة (السر) الي المؤلف بيفترض إنها عنده ومش عند الأغلب؟و على أي أساس كون السر دة؟ هل من أ
-رابعًا: هل المؤلف فعلًا مدرك وعارف هو بيقول إيه؟ ولا صحفي ضيق الأفق فاكر عشان بيكتب في جريدة مهمة إنه ممكن يهري في السياسية والاقتصاد والتاريخ والإدارة وفلسفة الحياة والسينما والمجتمع؟ هل بيقدم آيدولوجيات وعقائد وهو فاكر إنها حقائق علمية؟

قراءة الكتب الأدبية والتاريخية 
الأدب
: قراءة الروايات غالبًا ما بتكون للاستمتاع أكتر  منها للمعرفة والاستفادة إلا لو بتقرأ روايات دوستوفسكي واوريل وتولستوي وهاكسلي بس، بالرغم إنهم مش مصدر معرفة برده يعني. قراءة المعرفة أصعب بكتير من قراءة الاستمتاع، ولكن إنك تعرف ليه أنت مستمتع برواية ما أصعب بكتير من ليه أنت مستفيد من كتاب.
يصعب تحليل الجماليات عن تحليل الأفكار، ومن ثم فأفضل طريقة لقراءة الأدب هي القراءة دون نقد واعي (إلا لو أنت ناقد أدبي)، الأدب من المفترض يكون النوع الوحيد من الكتب الي بتسيبه يأثر فيك زي ما هو عايز. 

التاريخ: قراءة الكتب التاريخية سواء تاريخ حضارة أو دولة أو تاريخ حدث (حرب مثلًا) أو تاريخ شخص (مذكرات/سيرة ذاتية) قد تكون مصدر للمعرفة ومصدر للاستمتاع في نفس الوقت، دة لأن المؤرخ بياخد دور الأديب راوي القصة ودور العالم الأكاديمي في نفس الوقت..والكتب التاريخية بتكون مزيج بين القصص والحقائق. ومن ثم فالقاعدة الأساسية هنا هي إنك تعرف تفصل أسلوب الكاتب القصصي الجيد عن أسلوبه العلمي الجيد، لأنه ممكن يبقى راوي شاطر جدًا بس كذاب فهتستمتع بالقراءة بس هتبقى معلوماتك مغلوطة. أفضل طريقة لتنفيذ القاعدة دي هي إنك 1.تحدد غرض المؤرخ من الكتاب (هل هو توثيق بحت لتاريخ الدولة العثمانية؟ ولا حملة تسويق لحضارة الدولة العثمانية؟) 2.تحدد معايير الحقيقة عند المؤرخ، بمعنى إيه المعايير  أو الأدلة الأساسية الي المؤرخ بيعتبرها شرط كافي عشان يعتبر القصة أو الحدث دة حقيقي بالفعل. لو مؤرخ مش بيعرض أدلته أو معاييره للحقيقة ضعيفة وبيصدق أي رواية دون بحث واستقصاء كافي فالمفروض تشك في مصداقيته ونواياه أو قدراته البحثية والعلمية. 

قراءة الكتب العلمية: 
-الكتب العلمية من أكتر القراءات المخيفة بالنسبة لي حقيقةً،  معادلات رياضية ورسومات بيانية ومصطلحات تقيلة ومعلومة جديدة في كل سطر. لذلك قراءة الكتب العلمية صعبة ولكنها أحد أفضل أنواع القراءة، ليه؟ 
وظيفة الكتب العلمية أو النظريات العلمية في المطلق هي وصف الظاهرة الطبيعية بأكثر دقة ممكنة وتحديد العلاقات بين الظواهر المختلفة بدون أجيندا ودون تحيزات على العكس من الكتب التاريخية والسياسية. 
كما إن دايمًا هتلاقي مؤلفي الكتب العلمية الموضوعية مش بتنكر وجود تحيز زي مؤلفي كتب التاريخ، بالعكس هتلاقيهم بيوضحوا كل التحيزات اللي ممكن يقعوا فيها. ففي شيء من المبادلة (trade-off)في قراءة العلوم.
القراءة قد تكون صعبة ولكن في الآخر هتوصل لمعلومات دقيقة وعندك قناعة أكبر من لو قرأت كتاب غير علمي.

-الصعوبة الأساسية الأولى تكمن في وجود مصطلحات علمية معقدة، والحل ذكرناه قبل كدة ولكن وجب تأكيد إنه مهم للغاية في المرحلة دي، وهو إنك تحدد كل المصطلحات الرئيسية في الكتاب ومعناها المقصود. 
-الصعوبة الأساسية التانية هي المعادلات الرياضية ودي بسبب إن أغلبنا متأسسش ومتعلمش رياضيات كويس والحل بالتأكيد هنا هو الممارسة، ولكن الخطوة الي قبل كدة هي إدراك إن الرياضيات في الأول والآخير هي لغة للتواصل غرضها التعبير عن أفكار وعلاقات مفاهيم ببعضها ولكن بشكل مجرد خالي من التباس (ambiguity) اللغات الطبيعية زي الانجليزية أو العربية (لو تفتكر قولنا ممكن كلمة واحدة يكون ليها كذا مصطلح والعكس)، كما إن اللغات الطبيعية ممكن تأثر عليك بالعاطفة، ولكن بلغة الرياضيات بتمحي الالتباس دة ومبتأثرش عليك بالعاطفة. فالرياضيات قد تكون لغة صعبة للفهم ولكن مفيش لغة قادرة على الوصف بالدقة الكافية زي الرياضيات، فهنعتبرها trade-off برده هنضحي بمجهود للفهم والاستيعاب مقابل الحصول على إجابة أكثر دقة.


قراءة كتب علوم اجتماعية
-العلوم الاجتماعية هي أي علم بيهتم بدراسة الأفراد. سواء علاقة الأفراد بنفسهم (علم نفس)، أو علاقة الأفراد ببعضهم كجماعة (اجتماع/آنثروبولوجيا) أو كدولة (علوم سياسية) أو كسوق (اقتصاد) أو كمؤسسات (إدارة) ، أو علاقة الأفراد بالبيئة (الإيكولوجيا). 
-ذكرنا إن جزء كبير من كتابات التاريخ عبارة عن مزيج من العلم والأدب القصصي، وجزء كبير من العلوم الاجتماعية مزيج من العلم والفلسفة والتاريخ، عشان تفهم العلوم الاجتماعية محتاج تفصل الجزء العلمي المثبت الملاحظة والتجربة، الجزء الفلسفي القائم على التفكير المحض، الجزء التاريخي القايم على التجارب السابقة.
-لفهم ظاهرة علمية طبيعية، محتاج تقرأ كتاب واحد فقط كفاية، لفهم ظاهرة تاريخية محتاج تقرأ كذا كتاب عشان توصلك الظاهرة من كل الزوايا، ولكن لفهم ظاهرة اجتماعية محتاج تقرأ قراءة مقارنة


المستوى الرابع:  القراءة المقارنة Syn-topical Reading
-كل الي فات دة كان المستوى التالت (القراءة التحليلية). أما القراءة المقارنة هي أصعب وأكثر مستويات القراءة تقدمًا، وهي تعتبر زي القراءة التحليلية لحد كبير ولكن الفرق إنك بتقرأ أكتر من كتاب في نفس الموضوع بالتوازي في نفس الوقت، بيكون عندك مشكلة هامة لدرجة إن مينفعش تعتمد على أفكار كاتب واحد بس فبتقرأ لكذا شخص مختلف وبتقارن بين الأفكار والمقترحات في كل كتاب.

-صعوبة المستوى دة بتبدأ من قبل ما تبدأ قراءة أصلًا، ألا وهي تحديد الكتب الي هتقرأها، لو أنت هتقرأ كتاب واحد فعادي تشوفه وتقرأه ولو معجبكش تسيبه، إنما لو بتقرأ 5 كتب بالتوازي فهيبقى إهدار للوقت زائد عن الحد إنك تقرأ ربع الكتاب دة فميعجبكش وتجيب بداله، وتقرأ نص الكتاب التاني فميبقاش مفيد فتشوف بداله..
هنا بنلاقي مفارقة ظريفة جدًا، عشان تقرأ بشكل مقارن محتاج تحدد ليستة كتب قراءة وعشان تحدد الليستة دي بشكل صحيح محتاج تكون قارئ الكتب دي أصلًا وعارف محتواها...الحل ؟

-الحل هو المستوى التاني من القراءة، القراءة السطحية للكتب، في خلال 20 دقيقة تحدد محتوى الكتاب وهل هو مفيد ويستحق إعادة القراءة بعمق ولا لاء، بعد ما تعمل العملية دي كذا مرة هتحدد عدد كاف من الكتب عشان تقرأه بشكل مقارن في الموضوع الي بيشغل بالك. 

-القراءة المقارنة مختلفة شوية عن القراءة العادية و حتى التحليلية في شيء آخر، ألا وهي إنك قبل كدة كنت أنت التابع..أنت الطالب الي بيسمع ويتعلم ويستفيد من الأستاذ. في القراءة المقارنة أنت الأستاذ وأنت المتحكم في العملية.
 أول خطوة هي إنك تحدد الأجزاء في كل كتاب الي شايفها مرتبطة بالإشكالية أو موضوع بحثك.
تاني خطوة هي إنك تحدد أنت المصطلحات الرئيسية الي تخص إشكاليتك وتبدأ تبحث عنها في الأجزاء المهمة في كل كتاب.
تالت خطوة هي إنك تحول الإشكالية لأسئلة محددة وواضحة بشكل ما يخلي كل كاتب بيديك الإجابة الصحيحة الي انت عايزها (مهارة صعبة جدًا آيوة).
رابع خطوة هي إنك تحدد بقا الحل والإجابات الي بيقدمها كل إجابة كل كتاب
خامس خطوة هي التحليل والمقارنة بين كل إجابة، تخيل نقاش أو مناظرة بين المؤلفين دول قدامك وأنت قاعد بتسمع أو الأفضل إن أنت ميسر ورئيس الجلسة النقاشية دي وبتسأل. أهم شيء في الخطوة دي هي إنك تحول الأفكار المختلفة لنقاشات جدلية (dialectical) منها تقدر تكون وجهة نظر أو فكرة أو مقترح نهائي خاص بيك ناتج من القراءة والبحث والتحليل والنقد والمقارنة.