اراد ان يشعل سيجارته الأولى، ان يثمل للمرة الأولى، ان يرتفع، ان يغيب عن الواقع... اراد لشدة الإدراك أن يتوقف عن الشعور... خاطب الشياطين بعينيه، كان يتألم كمن دفن امه بيديه او كالفقير الذي ماتت ابنته جوعاً!

كان قليل الحيلة، يشعر بآلام كثيرة... يفكر كيف يواجهها، كيف يتخلص منها! كان أشبه بالرفاة يارفاق، كان يبكي ويستطرب بالضحك من بكاه، كانت جروحه تدمي، كسر ولم يزل عوده غضًا طريًا، قد رأى ذاك الصبي ما لا يتسنى للشيوخ رؤيته، وذاق ألمًا لم يذقه غيره، قد قضى نحبه، مات قلبه.. تحطم فؤاده، كُسر... كسرخخ!

تلعثم

تعثر

سقط بشدة... خجل أن يتألم

ما تكلم

ربما تعلم!

كان وفي

ليته ماتعلم

كان رجل

محاطًا بالنساء

ولدوا ذكوراً

ثم تحولوا لنساء

وحده كان...

لم يكن له اشقاء

استنجد قلبه

استنقذه وتركه

لم يطعه وهجره

وقع دموعه كان قوي

يسمع دويه من مشارق الأرض وأقاصيها

كان يحلم

كان يضحك

كان يأمل

كان يحب الحياة

كان صبي ذكياً

وكان شخص لطيفًا...

حاول الصمود...

اجتثته الشياطين

حاوطته من بين يديه ومن خلفه

حاول الهروب منها فلحقته

قاتلها بضراوة

لكنها قتلته

طلب منها الإستغاثة

فما اغاثته

رآه ربه...

فكان ذاك امتحانه!

فمؤمن قوي أحب من الضعيف!

هل سينجو؟

هل سيتخلى عنه الإله!

وما يعبده!

أتظنه مسلمًا؟

ان لم يكن ، فهل سترحمه؟

كان انسان...

ينتمي لإنسانيته!

كان محب للخير ،مفتاح له ومغاليق للشر...

لم يكن منحرفًا، كان سوي!

لكنه اراد ان ينحرف

علم أن لانجاة بعدها

ان لا حياة بعد الآن

ان الجحيم حكمه

واليه معاده الآن

اراد أن يثمل!

أراد ان يفسق..!

أراد ان تكون ساعته الأخيرة لعينة، ان تكون لئيمة!

ان يقف في وجه الموت ضاحكًا رافعًا مشيرًا اليه ليأتي!،

اراد أن يكون أول من يهزم الموت... في فلسفته كان منتصر!

اتاه الموت ثملًا في الملهى قابعًا!

في يمينه آخر رشفة من زجاجة خمره التاسعة وفي يساره سيجارته العاشرة!

وكان يرقد على صدر العاهرة وينظر أمامه ...عقله كان غائب لكنك تستشعر بصيرته تنظر نحو هدف ما...!

كان مشغول باله، رفات فؤاده، كان حطام... كان يُظهر حقيقة حاله حقًا لأول مرة!

يا الله... كيف كانت تبعثره ويضحك!

كيف تُبكيه ويأوي الى كتفه كل ذي جرح طفيف!

اضمحلت الحياة و حضر الموت بين يديه!

كان الموت يبكيه... تخيل كم من الحزن عاشه حتى يبكيه!

والله إني لأبكي من وصف حاله!

سخر منه الموت لنقائه!

قال: أتيتك رأفةً بحالك ،لأريحك من عذابك، أتيتك شامتًا حزينًا!

أمسكت يده بقوة وشعرت بالحرارة تتقد في جسمه والروح تخرج منها حتى ظنّت أنه قد توفى...

وفجأةً...!

دبّت الروح فيه مرةً اخرى فنهض كالمبعوث... اخذ يسير بلا هوادة

وعاد الى المهد طفلًا!

فنظر نظرًة في النجوم...

فقال اني سقيم!

وقف شامخًا... وكان الموت يقف مع المتفرجين

من المكتوفين!

وهكذا خسرت الأرض صبيًا من الصالحين!

كان مسلم بين كافرين

كان فذٌ بين متشابهين

كان صالحٌ ...ولو كان ساعة من الضالين!

وانتهت حكايته... فدُفن في قبره ولم يقف عليه جموع كثيرين ولم يذكره الا قليل.

قد كان بينكم، يأكل مما تأكلون واليوم غادركم و لقصته أهداني... كأنه رأى حالي فدعاني للحاق به، لاتعش شريفًا ولا عفيفًا ولا تقيًا، عش خائنًا عاهرًا فاجرًا...

"عش على نقص و في الموت اكتمال"!

-ضرير_.