Image title

د. علي بانافع

      وصلني مقطع على الواتس من أصدقاء كثر لشدة إعجابهم به، وهو جزء من برنامج "بكل جرأة" على قناة anb للإعلامي العراقي مهدي جاسم، والمقطع فعلا يستحق الإعجاب ومفيد للغاية، وبالإمكان مشاهدته على اليوتيوب والاستفادة منه: https://youtu.be/uB0FtSzgnp0 

    وهو عن موقف معلم مربي تجاه تصرف أحد طلابه في الفصل فستره هذا المعلم المربي، وتلقف الطالب هذا الموقف والدرس ولم ينساه طيلة حياته، وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة لقي هذا الطالب معلمه بل ومربيه، وعرفه بنفسه وأنه أحد طلابه ولكن المعلم لم يتذكره لعله لِكبر سنه أو لمرور أعداد غفيرة من طلابه طيلة سنوات تدريسه وتربيته وعطائه، لكن هذا الطالب النجيب ذَكَرَّ معلمه ومربيه بذلك الموقف فتذكره مباشرة، فالحياة مواقف!! وفرق كبير بين الدعم وقت الأزمات والدعم في الوقت العادي، فما بالك فيمن يستغل لحظات الضعف والانكسار في الضغط ليزيد الطين بِلَّةَ -كما يقال- مواقف الجبر في لحظات الإنكسار لا تُنسى!!

     وكلنا حاملون للعيوب ولولا رداء من الله واسمه (الستر) لانحنت أعناقنا من شدة الخجل!! التربية فن واقتناص اللحظة المناسبة فن آخر!! مما استفزني وأثار فضولي للكتابة عنه ولو كلمات يسيرة ..

     كنت ولا زلت احترم الناس ولا أخشاهم، وأحب ان اتعامل معهم على قدم المساواة مع كل المستويات بلا حرج، ووجدت كل ذلك في مهنة التعليم بحكم ممارستي لها، فهي المهنة الوحيدة التي تفتح أمام الإنسان الكثير مما لا يتوفر لا للأطباء ولا للمهندسين ولا للإداريين ولا لغيرهم، فالمعلم يعرف الكثير عن المهن الأخرى بطبيعة عمله واطلاعه على معلومات طلابه وأولياء أمورهم وأحوالهم من خلال تقارير الطلاب التي تقدم في بداية كل عام ومنتصفه ونهايته، فالمعلم يدخل في اختصاص كل منهم، فيعرف المعلم كيف يُعالج هذا الطالب المريض وما نوع الأدوية التي يتناولها، ويعرف أحوال الكثير من طلابه الأُسرية والمادية والاجتماعية، وكيف يعيش هذا الطالب وما هو مستواه، وما نوعية الأساليب التربوية التي استخدمت مع هذا الطالب، وهل هي موافقة للوائح والأنظمة المدرسية وللقواعد المقررة في التعليم وغير ذلك من أمور التربية والتعليم في جميع مراحله، كما يحيط المعلم بأغلب تقارير زملائه المرشدين الطلابيين في المدرسة، وكل هذا يتوفر للمعلم ولا يتوفر لغيره في المهن الأخرى.

     زد على ذلك أنها مهنة الذي يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا، إنها المهنة الرقيقة، فليس فيها المباضع والمقصات والجراحة، وليس فيها التردد على العمال ومراقبتهم المستمرة اثناء عملهم، وليس فيها الجري في الحقول والمصانع والمتابعة المستمرة في فصول السنة المختلفة، هي مهنة العقل الراجح في إقامة الدليل والبرهان والكشف عن أمور إن لم تظهر فقد يكون فيها تدمير للمجتمع بأكمله.