ياصديقي ..

كتب علينا توأمة الطابور والالتصاق به للأبد ، فقبل أن نلفظ من بطون امهاتنا على قارعة الطريق ونحن والطابور صنوان ، فإرتباطنا بمعاناته نشأت منذ بدء الخليقة وعلاقتنا به وطدت صلتها منذ الأزل ، بحيث يصعب علينا عصيانه او التمرد علية وإن إنتابت مشاعرنا مظاهر التبرم والضجر ، او غشيت جوارحنا علامات الإستياء والملل ، فسرعان مانذل ونخضع إنقيادا وإذعانا له ، والا تبددت جميع احلامنا ان نحن كابرنا ، وضاعت مساعينا في العراك سدى ، وانتقالنا منه الى طابور أخر على أمل ان نحظى بعطايا أجزل او نظفر بمعاملة أفضل دون ان ندرك انا قد اقترفنا خطاء جسيما ، لن يسعفنا فيه حظنا العاثر للعوده الى سابق عهدنا ، فيغدوا تجشمنا عناء الإنتظار هدرا وهباء منثورا ، ذلك لأن محاولتنا العبث به أفقدتنا موقعنا الاول ، والذي ربما كان الأفضل قبل التغير .

ياصديقي ..

جميع الطوابير سواء ، وإن اختلفت مسمياتها او تغيرت ملامحها ، سيظل الطابور هو الطابور ولن يراوح مكانه مادمت فيه ،  واعلم ان نجم المعانة فيه ابتدأ قبل ان استعذبنا لذيذ الماء واستنشقنا عليل الهواء ، وساعة إصطفاف أُمهاتنا مكابدة البحث عن سرير الوضع هي أصعب لحظاته ، ودخولهن حبليات بنا الى حجرات الولادة كان أعسره ، وإلى أن تضع حرب الطمث أوزارها ونحن فيه ، فاذا ما أقبلت لحظة شرف الوضع كنا الطابور نحن ونحن الطابور .

ياصديقي ..

تلك هي دوامة الحياة فلا تبتئس ، طابور يتبعه طابور ، وطابور يمتطي طابور ، وطابور تتوسده الأحزان ودموع الاتراح ، وطابور تعلوه بهجة التهاني والأفراح ، وأخر مثقل باصناف الاسى والجراح ، وطابور تطفو عليه مظاهر السلبية من عنجهية وسلطوية وترسيخ للأنانية ، تتطلاطم فيه أمواج التميز العرقي وعفن التفرقة العنصرية ، وطابور صغير هناك لكنه رمز للصفاء ، للعطاء ، للوفاء ، للإيجابية .

ياصديقي ..

لكل منا طابور ، قدرنا وشأننا فيه بحسب قدرتنا المهنية ووفق مكانتنا الإجتماعية وبقدر مانمتلك من علاقات ونفوذ ، وربح وفوز ، وضوابط الإصطفاف فيه يمكن الإحتيال عليها لكن لمن يملك مفاتيح الفهلوية .

ياصديقي ..

لاتظنناً ابدا بأن الطابور يوما سوف ينعدم عنا ، فهيهات أن تزول منا أوجاعه او تنفك عنا معاناته ، مابقي الزمان ولزم المكان ، فاصرف عنك اضغاث الاحلام تلك ، وتيقن بأن طابورا جميل هناك في انتظار الوقوف فيه على حوض خير الأنام  صل الله عليه وسلم ، وزد يقينا باجمل تلك الطوابير حسنا وجمالا على الاطلاق ، طابور ليس كمثله طابور ، ذاك طابور الإصطفاف على ابواب الجنة في انتظار اذن الدخول ، فهنيئاً لنا هذا الطابور، جعلني الله واياك ممن قال الله فيهم  ادخلوها امنين ..

عدنان هوساوي