ع

مدة القراءة: دقيقتين

الطابور

ياصديقي ..

كتب علينا توأمة الطابور والالتصاق به للأبد ، فقبل أن نلفظ من بطون امهاتنا على قارعة الطريق ونحن والطابور صنوان ، فإرتباطنا بمعاناته نشأت منذ بدء الخليقة وعلاقتنا به وطدت صلتها منذ الأزل ، بحيث يصعب علينا عصيانه او التمرد علية وإن إنتابت مشاعرنا مظاهر التبرم والضجر ، او غشيت جوارحنا علامات الإستياء والملل ، فسرعان مانذل ونخضع إنقيادا وإذعانا له ، والا تبددت جميع احلامنا ان نحن كابرنا ، وضاعت مساعينا في العراك سدى ، وانتقالنا منه الى طابور أخر على أمل ان نحظى بعطايا أجزل او نظفر بمعاملة أفضل دون ان ندرك انا قد اقترفنا خطاء جسيما ، لن يسعفنا فيه حظنا العاثر للعوده الى سابق عهدنا ، فيغدوا تجشمنا عناء الإنتظار هدرا وهباء منثورا ، ذلك لأن محاولتنا العبث به أفقدتنا موقعنا الاول ، والذي ربما كان الأفضل قبل التغير .

ياصديقي ..

جميع الطوابير سواء ، وإن اختلفت مسمياتها او تغيرت ملامحها ، سيظل الطابور هو الطابور ولن يراوح مكانه مادمت فيه ،  واعلم ان نجم المعانة فيه ابتدأ قبل ان استعذبنا لذيذ الماء واستنشقنا عليل الهواء ، وساعة إصطفاف أُمهاتنا مكابدة البحث عن سرير الوضع هي أصعب لحظاته ، ودخولهن حبليات بنا الى حجرات الولادة كان أعسره ، وإلى أن تضع حرب الطمث أوزارها ونحن فيه ، فاذا ما أقبلت لحظة شرف الوضع كنا الطابور نحن ونحن الطابور .

ياصديقي ..

تلك هي دوامة الحياة فلا تبتئس ، طابور يتبعه طابور ، وطابور يمتطي طابور ، وطابور تتوسده الأحزان ودموع الاتراح ، وطابور تعلوه بهجة التهاني والأفراح ، وأخر مثقل باصناف الاسى والجراح ، وطابور تطفو عليه مظاهر السلبية من عنجهية وسلطوية وترسيخ للأنانية ، تتطلاطم فيه أمواج التميز العرقي وعفن التفرقة العنصرية ، وطابور صغير هناك لكنه رمز للصفاء ، للعطاء ، للوفاء ، للإيجابية .

ياصديقي ..

لكل منا طابور ، قدرنا وشأننا فيه بحسب قدرتنا المهنية ووفق مكانتنا الإجتماعية وبقدر مانمتلك من علاقات ونفوذ ، وربح وفوز ، وضوابط الإصطفاف فيه يمكن الإحتيال عليها لكن لمن يملك مفاتيح الفهلوية .

ياصديقي ..

لاتظنناً ابدا بأن الطابور يوما سوف ينعدم عنا ، فهيهات أن تزول منا أوجاعه او تنفك عنا معاناته ، مابقي الزمان ولزم المكان ، فاصرف عنك اضغاث الاحلام تلك ، وتيقن بأن طابورا جميل هناك في انتظار الوقوف فيه على حوض خير الأنام  صل الله عليه وسلم ، وزد يقينا باجمل تلك الطوابير حسنا وجمالا على الاطلاق ، طابور ليس كمثله طابور ، ذاك طابور الإصطفاف على ابواب الجنة في انتظار اذن الدخول ، فهنيئاً لنا هذا الطابور، جعلني الله واياك ممن قال الله فيهم  ادخلوها امنين ..

عدنان هوساوي

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات