Image title

فِي ذلك النهار وبينما أكال- بطل الرواية- مع أصدقائه في مدرسة المحمدية ينتظِرون معلمتُهم ليبدؤا دروسهم لهذا اليوم رآها أكال من شقوق الحائط وهي تحتمي بورقة شجرة موز من الأمطار وتتوقف بين حِين وآخر تحت شجرة ، فِي تِلك اللحظة قطع أكال على نفسِه وعدًا بأنه سيكتب لمعلمته كتابًا يُخلد فيه جُهودها ومثابرتها العظيمة لتمُر السنين لتذكره تلك الشابه التي رآها أثناء عمله التطوعي في منطقة آتشيه التي ضربها تسونامي ،تلك الشابه كانت ترتدي جلبابًا وتحمل رايه كُتب عليها" تعالوا لا تتخلّوا عن المدرسة " ذكرته بوعده الذي قطعه  فخرج عساكر قوس قزح إلى النور ..
عساكر قوس قزح أو لاسكار بلانجي بالإندونيسية يحكي فيها أندريا هيراتا عن مدرسته ( مدرسة المحمدية ) التي تتبع لثاني أكبر مؤسسة إسلامية في إندونيسيا وعن أصدقائه ومعلمته بُو مس ومعلمه باك هرفان عن مغامراتهم وعن جزيرة بيليتونغ الصغيرة وحياتهم فيها ..  أطلقت عليهم بُومس لاسكار بلانجي لصعودهم شجرة معينة بعد هبوط المطر لمراقبة قوس قزح ، أثناء قراءتي كانت تأخُذني الدهشة وأعُيد القراءة مره بعد أخرى ، كفاحهم رغم كل شيء وشغفهم بالعلم والمثابرة للتعلم عن رغبتهم في أن يغيروا من واقعهم بالعلم . وإذا ذكرت الشغف فلابد أن أذكر لينتانج الصبي الذي يعيش مع إخوته وأجداده في بيت هو أشبه بغرفة مستطيلة ومصدرهم الوحيد للضوء مصباح زيت يتشاركون جميعهم فيه وينفق على هذه الأسرة المكونة مم يقارب الأربعة  عشر فردًا ، والد لينتانج صياد السمك الذي بالكاد يخُرج ما يكفيهم قوت يومِهم . في ظل هذه الظروف كان لينتانج يعود من المدرسة ليعمل وفي آخر اليوم يعود للمنزل وبمصباح الزيت الوحيد يأخذ له مكانًا قرب البيت ويستذكِر دروسه ، كان يستعير الكتب والمجلدات من المعلم باك هرفان وعندما يقرأ تلك الكتب ليلًا يشعُر أنه انتقل لعالم آخر كانت الكتب ملاذه ورفيقه . باعتماده على الطبيعة وبصوت الديك كان لينتانج يستيقظ كل صباح لصلاة الفجر والذهاب للمدرسة في إحدى المرات صاح الديك مُبكِراً عن وقت صلاة الفجر استيقظ بفزع وركب دراجته في منتصف الطريق اكتشف أن الصُبح لم يأتِ بعد استند لينتانج على شجرة في الغابة التي في طريقه وأكمل نومه . في موسم الأمطار كان لزامًا عليه أن يعبر العديد من الكليومترات بالإضافة إلى النهر المليء بالتماسيح عند وصوله للنهر كان يضع ملابسه في كيس بلاستيكي ويضغط عليها بفمه ويخوض مسرِعًا ليعبر إلى الجهة الأخرى ، لينتانج الفتى الذكي الذي أتقن التفاضل والتكامل في سن صغيرة . إن قرأتم الكتاب ستُبهِركم مواقف لينتانج وكفاحه من أجل العلم ..

إذا أردتُ أن أحكِي عن أكال ورفاقه وعن بُو مس وباك هرفان لن أنتهي ، فمثلًا إذا أردتُ أن أكتب عن باك هرفان سأحكي الكثير ، باك هرفان الذي امتهن التعليم لأكثرمن إحدى وخمسين سنة وهو الذي قام بقطع الخشب من الغابة ليبني مدرسة المحمدية بنفسه وهو نفسه الذي كان يقوم بتشجيع أبناء الفلاحين وصيادو السمك للذهاب للمدرسة ويذهب إليهم في أماكن عملهم البعيدة ليحثُهم على العلم - كان العديد من أبناء الفقراء يُفضلون الذهاب للعمل في قطف الفلفل وغيره ليجنوا المال بدلاً من أن يذهبوا للمدرسة - وعندما مرِض باك هرفان كان يأتِي للمدرسة أيضًا ويقول إذا مت أفضل أن أموت في المدرسة .

بُو مس الجميلة المُكافحة التي بدأت التدريس وعمرها خمسة عشر عامًا فقط والتي فضلت التدريس بلا مقابل مادي على أن تعمل بوظيفة بمرتب جيد وقالت " أريد أن أصبح معلمة " ، تعمل ليلاً بالخياطة وصباحًا في مدرسة المحمدية المُتهالكة .
يقول أندريا عنها " لم أر في حياتِي قط أحدًا يعشق هذه المهنة كعشق بو مُس لها وتاليًا لم أر أحدًا سعيدًا بعمله مثلها " .

جزيرة بليتونج يقول عنها أندريا أنها أغنى جزيرة في إندونيسيا ولكن غناها جعلها تنفرد بنفسها . وعندما اكتشف الهولنديون غناها بالقصدير قاموا باستغلال هذا الاكتشاف لصالحهم . 

" ويشير هيراتا إلى جانب من التقسيم الطبقي السائد في الجزيرة، وكيف عاش الموظفون الوافدون في منطقة مخصصة للنخبة تدعى الملكية، وكان لديهم مدرسة نموذجية على عكس المدرسة المحمدية. لكن بفضل جهود المعلمة استطاع تلاميذ المدرسة العشرة الذين يشكلون فريق "عساكر قوس قزح" التفوق في مسابقتين علميتين.
ويلفت الراوي النظر إلى أن ما كان يستدعي السخرية في حياتهم هو أن مجد الملكية وسحر مدرستها كانا يمولان بالكامل من القصدير المستخرج من أراضيهم. كانت الملكية معلما من معالم بيليتونغ، وقد بنيت لتكفل استمرارية حلم الانتشار الاستعماري المظلم، هدفها منح السلطة لقلة من الناس مقابل قمع العديد وتعليم القلة فقط لضمان انصياع الآخرين." ما بين القوسين اقتباس من مقال لهيثم حسن هنا.


الرواية تناولت العديد من الجوانب في الحياة مابين الفقر والعلم والقمع والانسانية والجهد . هُناك العديد من النقاط في الرواية التي أردتُ الحديث عنها ولكن أترك لكم قراءتها بأنفسكم لكيلا أفسدها عليكم ، الرواية التي بكيت وضحكت أثناء قراءتِها ، رواية قد تُجسد الكثيرمِن الواقع المؤلم وهي أيضًا بمثابة رحلة إلى جزيرة بليتونغ بطبيعتها الساحرة وإلى عالم آخر لم تُفكِروا فيه من قبل . يقول أندريا هيراتا لقرائه " يشرفني حقًا أن أتخيل روايتي عساكر قوس قزح بين أيديكم وأتمنى لكم في رحلتكم مع هذا الكتاب أن تستمتعوا بقصة من قريتي في جزيرة بيليتونج الصغيرة، الجزيرة المجهولة التي لا تكاد من صغرها تظهر على الخريطة . قصتي هي قصة الناس المنسيين وهي صوت من لا صوت لهم وآمل أن تجدوا ما يجذبكم في جمال الطفولة ، في المعلمة الصبية المهمشة وتلاميذها العشرة وهم يحاربون أعداءً لا يقهرون ويكافحون من أجل العلم ومن أجل الكرامة . وأن تجدوا البهجة في أحلام أؤلئك الأطفال المفعمة بالطهر والبراءة ، وفي مرارة الحب الأول الحلوة .... "
بقِي أن أقول أن هذه التدوينة إهداء للمُعلمة بو مُس التي قالت ذات يوم " أن أخسر تلميذًا كخسارتِي نصف روحي "


اقتباسات من الرواية :
Image title

Image title

Image title

Image title


Image title

Image title