يدرك الذين يتداولون السلطة منذ العام 2003 في بغداد,بأنهم صنيعة الامريكان كما داعش التي لم يكن لها وجود قبل الاحتلال الامريكي للعراق بمعنى ان السلطة وداعش هما وجهان لعملة واحدة,جيء بهما لأجل سلب ونهب خيرات البلاد وتدمير الممتلكات العامة والقتل والتشريد على الهوية وبث الفرقة وإحداث الفتن بين مكونات الشعب الدينية والعرقية,ليطول بهم المقام في سدة الحكم.

اثبت حكام بغداد خلال الفترة الماضية,انهم ليسوا اهلا للثقة وبناء الدولة المدنية المنشودة ليتعايش فيها الجميع على قدم المساواة,بل جعل البلد مسرحا للصراعات ومحاولة المؤامة بين الامريكان الذين آووهم ونصروهم وفرشوا لهم الطريق الى بغداد,بساط احمر معفر بدم العراقيين,وبين الايرانيين الذين انتفضوا على حكم الشاة الموالي لأمريكا,الفريقان المختلفان ظاهريا,المتفقان ضمنيا على استعباد العراقيين ونهب خيراتهم,كل منهما يسعى لان يبقى البلد يدور في فلكه الى حين,كمن يحاول اللعب على الحبلين فيجد نفسه في اية لحظة قد سقط ارضا ولم يعد يقو على القيام,فتدهسه الخيول بسنابكها.

لقد ساهم ترامب من حيث يدري او لا يدري بقتله سليماني والمهندس على الاراضي العراقية في وأد انتفاضة الشعب العراقي ضد سلطة بغداد,وانتصر العامل المذهبي (احد العوامل الرئيسية المحركة للتاريخ)على ما سواه وتحول الى طوفان هادر طوّق السفارة الامريكية مطالبا برحيلها,وترامب يطلب ثمن (كلفة)تشييد قواعده للمغادرة.

ربما لا ترد ايران بطريقة مباشرة كما يتمنى الاخرون على عملية الاغتيال,لكن انصارها او قل عملاءها (لم تعد تهم التسمية بل الفعل) وهم كثر,الذين اجبروا الامريكان على الرحيل والإبقاء على بعض قواتهم ضمن اتفاق تدريب الجنود العراقيين ومحاربة داعش,بإمكان هؤلاء وقد اكتسبوا على مدى الاعوام الماضية الخبرة الكافية,ان يقضّوا مضاجع الامريكان المتواجدين على الساحة العراقية ويجبرونهم على الرحيل وقد بدأت اولى الخطوات بطلب مجلس النواب من الحكومة المركزية بالعمل على انهاء الوجود الامريكي.

بفعل السياسة الرعناء غير الحكيمة لأمريكا وبالأخص في عهد ترامب المتهور,فإن الهلال الشيعي لم يعد جسما هلاميا يمكن التحكم في شكله,بل اصبح كماشة تستطيع بفكيها ان تؤرق امن المنطقة واستقرارها,الحرب على الحوثيين وعلى مدى اربع سنوات اتت بنتائج عكسية,يمتلكون صواريخ وصلت الى مشارف الرياض,وطائرات مسيّرة اصابت اكبر مجمع لتكرير النفط بالمنطقة(شركة ارامكو).وأصبح العراق وسوريا اكثر انسجاما من ذي قبل,يشكلان سوية خط الدفاع الاول عن ايران ويعتبران الحديقة الخلفية لها,فالتجارة البينية بين الدول الثلاث تميل لصالح ايران ما يخفف عنها العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

ان من يقوم بصناعة السجاد يدويا وما يمتلكه من صبر,لقادرُ على ان يصمد في وجه العواصف الهوجاء,اربعة عقود من الحصار الاقتصادي والتقني,لم تزد الايرانيين إلا تشبثا بأرضهم وعزمهم على دخول عصر تكنولوجيا الصواريخ والصناعات الحربية,للدفاع عن انفسهم, فأصبحوا قوة اقليمية لا يمكن الاستهانة بها,بينما العرب ورغم تفوقهم العددي(بشريا) والمادي, إلا انهم لا يزالون يستنجدون بالأجنبي,فيدفعون جل مدخراتهم لحمايتهم من جار لهم,كان بالإمكان ان يعملوا سوية لما فيه خير شعوب المنطقة .

الذي لاشك فيه ان منطقتنا العربية ستكون ساحة صراع نحن ضحاياها ووقودها المستعر.