في الجزء الأول قولت إن أهم شرط في التعلم المركب المتسارع هي الانضباط والconsistency..بعد كدة شرط توافر منصة مناسبة تقدر تتعلم وتكبر فيها بلا حدود، المنصة دي ممكن تكون الصناعة أو المكان الي هتشتغل فيهم أو تخصصك أو وظيفتك..مثلًا لو اخترت تشتغل ويتر في مطعم فهتتعلم مهارات معينة ولكن بعد  شهر أو أقل هتكون فهمت الشغل ومش هتستفيد حاجة تاني، في حين لو اشتغلت طباخ فهتلاقي قدامك فرصة أكبر للابداع والتميز...لو اخترت مجال مفهوش فرق شاسع بين الي عنده 3 سنين خبرة و30 سنة خبرة ففي الأغلب المجال دة مفهوش إبداع ومش هو المنصة المناسبة. كذلك في الصناعات لو هتشتغل في صناعة زي الذكاء الاصطناعي أو الطاقة المتجددة أو الكوانتم كومبيوتنج (حتى لو أنت مش مهندس) فهتلاقي تحديات كتير تتعلم منها وتتطور من خلالها...وكذلك في الأماكن..لو شغال مصمم جرافيك للمطاعم حاجة ولو اشتغلت مصمم جرافيك في ديزني حاجة تانية خالص، لو أنت باحث  كيمياء حيوية في جامعة الزقازيق حاجة ولو باحث في نفس المجال في أوكسفورد فحاجة تانية خالص. فاختار منصتك بعناية ودقة.

أما بالنسبة لنموذجي الخاص للتعلم الي بحاول أطبقه فهو مكون من 3 مستويات، في كل مستوى فيه نشاطين رئيسيين، عدا المستوى الأول كل نشاط قصة لوحده يعني وليه طرق واستراتيجيات (علمية) ولكن ناخد عنهم لمحة سريحة

المستوى الأول: التعلم الاستقبالي Receptive learning 
دة أسهل مستوى للبداية، هنا أنت مش بتبذل مجهود حقيقي ولا بتنتج شيء معين. بتشوف مصادر كويسة لتعلم في صيغة مكتوبة/مسموعة/مرئية، سواء كتب، كورسات أونلاين، كتب صوتية، بودكاست، إلخ..وأفضل أدوات للتعلم في المستوى دي هي الكتب في وجهة نظري.

القراءة من أكتر المهارات الunderrated و misunderstood في ثقافتنا. لأن الناس بتعتقد إن القراءة هتعلمك معلومات جديدة بس مش هتغير في شخصيتك وطباعك وطريقة تفكيرك، صعب تحدد مدى تأثير كتاب واحد عليك من قبل ما تقرأه (خصوصًا لو كتاب كويس)، صعب تتوقع طريقة تفكيرك  هتبقى عاملة ازاي بعد ما تقرأ 5 كتب في الفلسفة (غالبًا هيبقى عندك نظرة مختلفة تمامًا للعالم عن دلوقتي).تأثير الكتب الجيدة علينا مشابه لإضافة لون جديد لإدراك شخص عنده عمى ألوان. أعتقد تجربة زي قراءة 100 كتاب في سنة فيها شيء من الخطورة لأنها مش عملية خطية هتقرأ دة بعدين دة وخلاص، مش مجرد تحدي لطيف هيخليك شخص مثقف، دة هيخليك شخص مختلف ويستحيل تتنبأ الاختلاف دة هيكون عامل ازاي. القراءة (الحقيقية) هتفتحلك آفاق كتير للتطور مكانتش في إدراكك ومنها تقدر تنطلق وتبدع بقا في المستويات الجاية وفي شغلك عامةً.

لو بتقرأ كتب تنمية ذاتية وروايات أدب مراهقين معاصر فالوضع مختلف الحقيقة. 

المستوى التاني: التعلم بالتجربة Experiential learning 


قرأت كتب؟ وسعت آفاقك؟ طورت أفكارك؟ نطبق بقا، مفيش حد بيتعلم سباحة من كتاب سباحة، مفيش حد بيتعلم تسويق/برمجة/تصميم من الكتب بس.  محتاج تبدأ هنا تمارس ولكن مش أي نوع من الممارسة وخلاص...فيه غلطتين ممكن تعملهم أثناء الممارسة والتطبيق (الممارسة الخطأ، الممارسة التكرارية).
لو بتتعلم سباحة وبتمارسها بشكل خاطئ من غير ما تعرف أنت غلط في إيه وتصحح ازاي فهتحرق مجهود على الفاضي ومش هتتعلم أي حاجة واحتمال تأذي نفسك كمان. لو بتلعب رفع أثقال مثلًا وكل يوم بتلعب وتتمرن صح ولكن مش بتزود وزن فأنت كدة بتكرر الممارسة، وهتفضل ثابت مكانك برده. قد يكون المثال ساذج شوية عشان رافعي الأثقال بيضغطوا على نفسهم قدر الإمكان ودة الي انت المفروض تعمله...ولكن في مجالات العمل الغير رياضية والي فيها تنافسية أقل ممكن نلاقي ناس فعلًا مجرد بتكرر شغلها كل يوم على الفاضي...فهو معندوش 20 سنة خبرة، هو عنده سنة خبرة ولكن مكررة 20 مرة. 
الحل للمشكلتين دول:

1.تخلق إطار للممارسة بتاعتك في صيغة (تحدي)..هدف صعب إنك تحققه ويفوق قدراتك الذهنية بشوية ولكن مش بفرق كبير عشان هيسببلك إحباط واكتئاب. تحدي يسببلك ألم ولكن مش كسر ، يسببلك صداع ولكن مش انهيار عصبي. "What doesn't challenge you, doesn't change you".
"The abrasions of your skin guide your learning and discovery"

2.تخلق إطار للتقييم (Feedback)والتحسين، ازاي تعرف إنك غلط وازاي تصحح الغلط دة..لو بتتعلم برمجة فكدة كدة الكمبيوتر هيديك تقييم ويعرفك غلطك في التو واللحظة ومنه تعرف تصحح نفسك...لو بتتعلم رياضة فهتحتاج مدرب يقولك أنت غلطان في إيه بالظبط وتحسنه ازاي، لو بتتعلم كتابة سيناريو فهتحتاج حد أكثر خبرة يقيمك لكن الأهم بكتير إنك تخلي ناس من الجمهور الي بتستهدفه يقيمك..واتكلمنا عن الموضوع دة في مقال (التعلم بالمخاطرة). 

المعادلة في المستوى دة هي: Deliberate Practice = Difficult Challenge + Feedback Loop

النشاط التاني الي ممكن تعمله في المستوى دة عشان تحسن مستوى أدائك هو إنك تبدأ تعمل (Learning Network) مكونة من 3 أنواع من الأشخاص:
1. ناس أكثر منك خبرة: Mentors يقيموك ويقولولك على الطرق المختصرة ويعرفوك بالأخطاء كنت هتعملها. فكرة الmentors من الحاجات الunderrated جدًا  رغم إنها قد تكون من أفضل الوسائل لتسريع التعلم لأنك بتسأل حد جرب وغلط وفشل ونجح وفكر واتعلم وعلم فبيقولك على كل المشكلات الي قد تواجهك وكان ممكن تضيع منك سنين. قد يكون صعب تلاقي حد خبير شايفه مثل أعلى ويوافق يساعدك ولكن مفيش لاعب عالمي من غير مدرب عالمي. لو أنت مش رياضي فمش شرط يبقى عندك مدرب واحد، ومش شرط تكون عارفه شخصيًا وبتقعد معاه كل يوم..حدد ليستة من أشخاص أنت شايفهم خبرة واقرأ كتبهم، شوف فيديوهاتهم، احضر محاضراتهم اعرف قصة حياتهم، تواصل معاهم على الإيميل واسئلهم واطلب مقابلة لو متاح، أو اشتغل تحتهم لو تقدر
2. ناس نفس خبرتك..تتناقش وتشتغل معاهم وتعرف أفكارهم وتشوف شغلهم وتعرف مستواك وتاخد منهم أفكار وأراء ونصايح والعكس. 
3. ناس أقل خبرة، أحد أفضل وسائل التعلم هي الشرح، مش هتقدر تشرح حاجة إلا لما تكون فاهمها. في الواقع فيه علماء (scholars/ scientists) كتير كانوا بيألفوا كتب بغرض التعلم لا التعليم. أحد أهم تكنيكات التعلم الشهيرة لريتشارد فاينمان كانت التدريس، مش شرط تشرح لناس أقل خبرة يعني ولكن الفكرة وصلت. 

المستوى التالت: التعلم الذاتي - self-created learning

مفهوم التعلم الذاتي (self-learning) معروف إنك تاخد كورس أونلاين وتشوف توتريالز  بدون ما تكون بتتعلم الحاجة دي في مدرسة أو جامعة أو كورس مع حد، ولكن هنا أنا أقصد ب(self-created learning) المعرفة الي هتكتسبها من نفسك مش من كتاب أو كورس محدد، أكيد هتعتمد على مصادر تانية عشان تكون وجهة نظر ولكن مهم إنك تبدأ تخلق نظام يخلي عندك القدرة على خلق معرفة جديد، ليه مهم؟ عشان لو أنت مبتدئ فهتلاقي ألاف الكتب والكورسات المتاحة مجانًا عشان تعلمك لو مستواك بقا متوسط فهتلاقي مئات الكتب والكورسات المناسبة وأغلبهم مش مجاني، لو مستواك متقدم فهتلاقي عشرات الكتب مناسبة ليك
لو أنت متعرفش أي حاجة عن نظريات التعلم وقعدت 3 ساعات تقرأ فيه مقالات فهتطلع بكم معلومات رهيب دماغك مش هتستحمله، لو قعدت سنة بتذاكر تاريخ أوروبا بس وجيت بعدها تقرأ 3 ساعات هتلاقي نسبة المعلومات الجديدة أقل بكتير، لو قعدت 5 سنين بتذاكر الموضوع فغالبًا هيطلع عينك عشان تقدر تقرأ معلومة جديدة، كل ما بتتقدم في المستوى كل ما المعلومات الجديدة المتاحة (المناسبة) بتقل، طب والحل..؟ المفتاح هنا في نشاطين مستمدين من طرق البحث العلمي: 1. التفكير المستقل 2.التجربة والاختبار

ألف باء اقتصاد حديث هو إن الإنسان كائن عقلاني راشد وكل قراراته منطقية بتحققله أقصى منفعة ممكنة...ولكن اتضح إن (سبحان الله) الإنسان مش دايمًا عقلاني وبياخد قرارات غبية عادي، لو دايمًا الإنسان قراراته منطقية فمكانش هيبقى فيه حاجة لأنظمة التخسيس وبرامج الإقلاع عن التدخين مثلًا..المهم إن أول نظرية بنتعلمها في الاقتصاد مغلوطة وجايزة نوبل في الاقتصاد 2002 لدانييل كاهنيمان (عالم نفس مش اقتصادي) وفي 2017 لريتشارد ثيلر ...كانت عشان أبحاثهم بتثبت خطأ نظرية العقلانية دي. 
المهم يعني إن عادي جدًا إن الأفكار الشائعة حتى في الوسط العلمي (خصوصًا العلوم الاجتماعية) تكون غلط أو فيها ثغرات ونواقص.. ومن ثم أنت محتاج تفكر بشكل مستقل في كل نظرية أو فكرة بتتعلمها في تخصصك، وتسأل هل دة فعلًا التفسير أو التنبوء أو الترشيح السليم ؟ ولا فيه حاجة أدق من كدة..؟.
فيه حركة ظريفة اتعلمتها وبعملها لما أقرأ كتاب ما وهي إني مباخدش ملاحظات (notes) إلا بعد ما أعمل جلسة تفكير في الكلام الي بقرأه، أستوعبه وأحلله واجيبه يمين وشمال وأركبه على أمثلة تانية..وبعدها أكتب الملاحظات، ساعتها بكون فعلًا فكرت وكونت وجهة نظر خاصة بيا مش مجرد بنقل بشكل سلبي وخلاص.
التفكير الاستقلالي مهارة صعبة للغاية، قولنا في المقال الي فات إن الإنسان عنده انحياز للتقليد ومن ثم فراحته فإنه يكون بيفكر زي الجماعة. وهييجي صوت جواك يقولك "يعني معقولة كل العلماء والخبراء والناس الجامدة دي غلطانة في كذا وأنا الي صح"، الصوت دة موجود عندي وعندك وعند أي حد مهما كان مستوى قدراته عادي، أو ضعيف، أو عبقري. واحنا قولنا قبل كدة مرتين (الجزء الأول - ومقال التعلم بالمخاطر) إن المعرفة بتتقدم بإثبات خطأ الأفكار مش صحتها، فيفضل إن أنت تتحدى كل النظريات والأفكار الي بتتعلمها وتفكر من زاوية مختلفة...طب تعرف منين إن أنت صح..؟

الإجابة في النشاط التاني..(التجربة والاختبار) ، لنفترض إن أنت بتتعلم تصميم الملابس مثلًا ولاقيت إن الفكرة الشائعة (mainstream) هي إن لازمًا تلبس مقاسك (fit)، فأنت تفكر وتقول لاء مش لازم...ممكن ألبس لبس أكبر من مقاسي عادي ويكون شكله كويس. لحد هنا فكرتك يعني ملهاش أي لازمة حتى لو صح. حولها لفرضية (Hypothesis) واخضعها للتجربة والاختبار، وجرب تلبس فعلًا لبس واسع، وتخلي ناس تانية تلبس لبس واسع وتاخد أراء الناس...هل فعلًا ممكن تلبس لبس كبير عليك ويبقى شكله كويس؟ لو آه فمبروك  هنا تقدر تحول فرضيتك لنموذج أو نظام أو نظرية خاصة بيك ومتظبطة عليك تقدر تستخدمها بعد كدة في شغلك أضف على ذلك أنت أضفت شيء جديد لعالم الملابس وبقا ليك بصمة في مجالك، لو لاء..؟ فعادي جدًا فكرتك فشلت يعني ومش حوار. 

ولا تنس أن رحلة التعلم قايمة على الانضباط لفترة طويلة، وقليل دائم خير من كثير منقطع.