نفسك إن سقيت بالكرب، وباتت في ظلمة الذنب، وما عرفت الدرب، عليها أن تنادي القريب، تنادي بصوت مبحوح، وطرفٍ قريح، وقلبٍ جريح، ويعتريها مع الله إفتقارٍ يخالط الروح، فتسكن وتستريح، تنادي:
"أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"
ف ( لا إله ) أي: مألوهاً ومعظماً ومحبوباً وقادراً
( إلا أنت ) : لفظ يشعرك بالتقرب والتودد مع شدة التعلق، لأنّ الله تعالى أقرب إلينا من بطن الحوت وأحنّ علينا يرانا نستمسك بعروته الوثقى ونتفلت باقي الخلق فلا إله غيره ولا منقذه سواه ثم يتركنا هلكى، غرقى في لجج الأحزان، وظلمات الكرب، حتما الواسع الكريم سينزل لك طوق النجاة...
( سبحانك ) أي: تنزهت وتقدست ربي أن تفعل فينا ما هو ظلم فكل أفعالك حكمة وكل سوء مني وكل سعة من فضلك ! فالشر ليس إليك والخير كله بين يديك، هذا ظننا بك فلا تردنا.
( إني كنت من الظالمين ) : تمام الإقرار والافتقار؛ فجرمي العظيم وعفوك كبير، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم وبعظيم حقك فما فعلته بنفسي من كربة فأخرجني منها بفضلك .
هذه حياة النفس اليُونُسيّة في الشدة تفتش في ذنبها، وتقر بضعفها، وتلجأ لربها، هذا دعاء يونس تُرفع به الكرب وتتلاشى به الهموم إذا أُكثر منه وكان بقلب خاشع، وهو أعظم النواقل عن الكروب والغموم التي تصهر النفس ويضيق بها العيش ( فلولا أنه كان من المسبحين . للبث في بطنه إلى يوم يبعثون )
تأمل ( للبث في بطنه ) فتسبيحه نقله عن همّه وغمّه ، من ضيق بطن الحوت، لسعة الفرج من غفران الذنب إلي سعة العفو
وقد ركّز القرآن على سبب النجاة في هذا المشهد المهيب وهو التسبيح والإقرار بالذنب والافتقار لله وليس بسبب تاريخ الشخص ومنزلته لنفهم أنّ العبادة في وقت البلاء كاشفه، ثم وعدنا الله الكريم الحليم بها أن يفرج عنا ويرحم ضعفنا بها و(كذلك ننجي المؤمنين ) من غمومهم إذا انكسرت قلوبهم له
فهلا رددت بقلب موقنٍ الدعاء، ووالله ليكشفن عنك البلاء، ولو بعد حين
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
