د. علي بانافع
ننسى في زحمة صوارف الحياة أننا في امتحان، وسورة المُلك (المُنجية) تُبقي ذلك شاخصا أمام أعيننا: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ} [المُلك: 2]. لا ننسى أننا نعيش في امتحان فلا نسترسل ولا يغيب ذلك عن قلوبنا وعقولنا، وننبه من حولنا حول هذه الحقيقة الحاضرة الغائبة أن الحياة كلها امتحان إلى الموت!!
أرسل لي أحد الأصدقاء يوم السبت الماضي خبر وفاة رائد من رواد العمل التطوعي، الإعلامي والكاتب الصحفي وعضو مجلس الشورى السابق، ورئيس مجلس إدارة جمعية العمل التطوعي، الدكتور نجيب بن عبدالرحمن الزامل الذي اشتهر بأعماله البارزة في المجال التطوعي ودعمه للمبدعين، فيما تولى العديد من الأعمال الخيرية وأدار الكثير من مناشط الشباب، توفي الزامل في ماليزيا بعد معاناة مع المرض رحمه الله رحمة واسعة، ومع الخبر رابط مقاله المتجدد بعنوان: "يوم تركتُ الصلاة" الذي بدأه بقوله: "السرّ في الصلاة أنها لا تغير العالم، الصلاة تغيرنا نحن، ونحن نغير العالم". وصدق رحمه الله، فحينما كان المسلمين متمسكين بأمر ربهم ودينهم، كانت الدنيا في أيديهم وليست في قلوبهم، كانت لهم الكلمة والمكانة قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42-43].
دشن المغردون على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وسماً لتعزية المجتمع للزامل فهو أيقونة غرس حبه في قلوب الكثيرين، تاركا خلفه حزمة كبيرة من عباراته الإيجابية والمحفزة على الإبداع والعطاء، وأكد أخوه محمد نبأ الوفاة فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، انتقل إلى رحمة الله تعالى غالينا وحبيبنا وأخونا نجيب عبدالرحمن الزامل، اللهم صبّر والدته وصبرنا وكل محبيه، والحمد لله رب العالمين»، ومن بين من نعوا الفقيد الدكتور الزامل، مدير المكتب الخاص لولي العهد، رئيس «مركز مبادرات مسك» معالي الأستاذ بدر العساكر فقال في تغريدة عبر حسابه الرسمي في تويتر: «الأخ الكبير نجيب الزامل، له الصنائع من المعروف، عرفته كريم نفس، وصاحب عطاء، من المؤلم أن أنعيه أو أكتب في غيابه عنه، أتأمل أحاديثه ومقولاته.. وأعرف عمقها، ولا أملك إلا الدعوات له بالرحمه والمغفرة، رحمه الله وألهم ذويه الصبر والسلوان».
جذبني إلى الدكتور الزامل رحمه الله -كما يجذب البشر- كتاباته المحفزة للاستفادة من تجارب الشعوب والأمم، ولقد جذبت الزامل رحمه الله التجربة أو الهجرة الحضرمية إلى دول الجوار، وإلى بلدان الشرق الأقصى "جنوب شرق آسيا"، وإلى دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي اهتمامه، عبر مقاله الشهير: "الحضارم أساتذتي الكبار"، ومصدر هذا الاهتمام ليس الهجرة وحدها، ولكن ما رافق هذه الهجرة من نشر الإسلام في تلك البقاع عبر القدوة الحسنة، والدعوة الصادقة للإسلام الوسطي المعتدل والمحترم لمعتنقي الأديان الأخرى، وكذا النفوذ التجاري والسياسي الذي حققه الحضارم في بعض بلدان هجرتهم والذي مكنهم من الوصول إلى مراتب سياسية هامة وعالية، بل وأحياناً أصبح البعض منهم أو من أحفادهم ملوكا وسلاطين لكيانات سياسية وبالذات في الشرق الأقصى، وبالمقابل تركت الهجرة تأثيرها أيضا في الكثير من مناطق حضرموت، ولا يزال هذا التأثير يفعل فعله في حياة الكثير من أبناء حضرموت وإلى اليوم.
بون شاسع بين أن تقول بلسانك فلان علمني كذا وكذا تطوعا!! ﻷنه من حسن الوفاء لمن علمك حسبة لله أي علم من العلوم الإنسانية والتطبيقية، وبين أن يقول من علمك بلسانه أمام الملأ هذا أنا من علمته كذا وكذا!! ﻷنها قد تدخل في باب الرياء، لقد حدثت أمامي عدة حالات من هذا القبيل، والنتيجة هي أن كل من كانوا يذيعون بين الناس أن فلانا وفلانا علمهم علما ما؛ قد احجموا كليا عن مدح معلميهم بل وفترت العلاقة بينهم بعد الإشهار؛ فتذكرت قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ} [البقرة: 264]. وأصبح لدي تصور أعمق لمفهوم اﻵية الكريمة، أﻻ وهو أن إبطال الصدقات لا يكون أجرا فحسب وإنما ذكرا وفخرا أيضا، علم نفسك أن ﻻ تذيع خيرا صنعته ﻷي كان ولو كان شيئا بسيطا {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]. ودع من علمته إن شاء أخبر بذلك وأذاعه بين الناس وإن شاء أحجم ولك الأجر كاملا في كلا الحالتين.
رحم الله الدكتور نجيب الزامل، ونور قبر هذه النفْسَ الطيبة المباركة التي شاركت بأقوالها وأفعالها وأعمالها وامنحها الحياة الدائمة الرغيدة، وأفض عليها من بركات السماوات وأعطها من الخير ما تتمناه بفضلك وجودك مع من استجبتَ دعاءَهم يا مجيب الدعوات ..