يا كبير الهمة، يا صاحب القلب الوفي، والعمل الخفي، والروح السامية، والأهداف السماوية

قلبك عضلة، ولأنها الأخطر إن ضعفت وضعها الخالق محاطة ب "بقفصٍ من عظام"  وجعلها محط رعايته وعنايته، وهو الذي ينظر إليها ويرى ما لايرى الناس، ويعلم ما لاتعلمه أنت عن نفسك، 

وكما أنك تسعى لأن تقوي عضلات بدنك بالرياضة وفي سبيل ذلك قد تتكسر العضلات وتتألم  ليصبح جسدك أقوى، وأصح فإن الخالق اختص عضلة القلب بتقويتها ، فلن تربو وتهتز تلك المضغة، إلا بنجراحها وكسرها، تلك الجراحات، والأقدار المكروهة لك، ماهي إلا وقاية إلهية، 

وتلك الدموع التي جعلتك تنطرح أرضًا له ما هي رحمات ربانية، ولو أراد لك الشر لبسط لك ووكلك لنفسك وأعطاك الدنيا، حتى تظن أنها كرامات وماهي إلا إهانات،  ولكن ربك لطيف فهون عليك، ولكي تحيا لابد من انقباض القلب وانبساطه، لابد عقب السرور حزن، وعقب الحزن سرور، فلا شيئ يدوم لا الحزن ولا السرور ف الضحك فيها ناقص، و البكا ليس بالدائم، والسعادة ليست متصلة، والسعة بعدها ضيق ، والصحة يعقبها المرض، والنصر، يعقبه انكسار، والقوة يعقبها ضعف، والمعارك تلو الأخرى، واختبارٌ تلو الآخر، وما من باب مفتوح، إلا وسيغلق، ومامن حي إلا وسيموت هذه هي حقيقة الدنيا، أنك فيه في ابتلاء دائم...

ولن تمضي الحياة إلا بتعاقب الفصول، والأنواء عليها، فإذا ردمت أخاديد القلب بتراب الغفلة صيفًا، غسلها غيث  التدبّر في الآيات شتاءًا حتي يأتي ربيع القلب وتصبح دماء القلب نضرة لكثرة الذكر والتسبيح في الخلوات، لابد أن تثمر الرقة في قلبك مع البلاء، وأعيذك أن تكون ممن قيل فيهم "وَلَقَدْ أَخَذْنَٰهُم بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ" 

فالبلاء الذي يزيدك رقة هو نعمة، البلاء الذي تتضرع وتركن فيه إلي الله هو معبر أنس وفرح إن شاء الله.. 

سيل الأحزان المتحدر هو سيل طُهر إن شاء الله 

ذلك الضيق الذي يختبئ لك وراء كل باب وفي الطرقات، غدًا ستفاجأ في صحيفتك بسرور وحبور كما صبرت على فجأة الحزن هذه

الكربات التي تأتيك من كل فج عميق فتكوي قلبك، غدًا ستكون بردًا وسلامًا عليك... 

تلك الحياة التي لا تسير على مايرام ليست مهمة... 

إن الذي يرام حقًا هو الآخرة، ومالدنيا إلا ممر والآخرة هي المستقر، فما السيئ من الكربات والأحزان إذًا؟! 

والكربات تثقل موازينك، تُيمن كتابك، وتبيض صحائفك، وتستخلص كل ذرة فيك لله!! المهم أنك لاتحمل ظلمًا، حين ينادى عليك غدًا مع الذين صدقوا الله وآمنوا بالغيب ولم يظلموا، وما دام آخرتك لم تتضرر بذلك الكرب فأنت بخير، غدًا ستقول ذهب الضر وبقي الأجر، غدًا سيتحول غيثُ دمعك إلى مروج خضراء، ألست تنثر وجعك على سجادتك في جوف الليل، 

ألم يغدو فؤادك أرق من الطير؟ 

ألم يغدو فؤادك بحبل الله متعصمًا ولمعروفه متعرضًا، وبباب كرمه واقفًا، وبعروته الوثقى مستمسكًا؟! 

ألم تصبح أكثر رقة، حانيًا على كل من ترى، رفقيًا بكل من تمر، قلبك المنكسر له الجبار، دمعك المرير يحلو مع الله، هذه الروح المغلوبه يومًا ما ستنتصر، وعندما تعود للجنة ستدرك أنها هي الحياة الحقة!!