هذا المقال بصدد الحديث عن شخصية نفسية في جوهرها الانساني، ارتبط مجال عملها الشاق بلغة برايل، جمعتني بها الظروف والأقدار بنية القيام بعمل اذاعي يوما ما، ثم دامت هذه العلاقة في بداية امرها علي الملتقيات العابرة والمعرفة السطحية، قبل ان توطدها الايام لتصبح علاقة الاخ بأخيه، هي شخصية انسانية بكل ماتحمله هذه المفردة من معنى، من ذوي الإعاقة البصرية لكن اهتمامتها  بهذه الفئة وانتاجها الغزير في هذا المجال، وذوقها الرفيع في التعامل مع الاخرين وادارتها لجمعية ابصار الخيريه على مدي 13عاما، اكسبها نعمة البصيره رغم فقدانها البصر ، بالمناسبة فإنه لم يدر في خلدي آنى ذاك، باني سوف اكتب عن هذه الشخصية او اخصها بمقال، لا لشيء سوى لوضاعة قلمي امام انجازاتها وللإعجاب الكبير بها، ثم للمكانة الادبيه والثقافية التي تحمله، إضافة الى المحصل العلمي الذي تكتنزه بين جنبيها، وهو مااكتشفته لاحقا، ثم لإعتبارات اخرى لاسبيل لذكرها هنا، غير انه من المناسب ان اذكر هنا وأقول بان الأحداث والمواقف والظروف لها سلطة جبرية قد ترغم الإنسان احيانا للإدلاء ببعض ماتكنه نفسه اتجاه الأخرين، فينثر بدوره بعضا من رذاذ الكلمات المحببة اليهم تقديرا وعرفانا لهم ولماقدموه للانسانية،


والمناسبة اليوم هو اليوم العالمي للغة برايل والذي صادف يوم امس  4 يناير، وكمدخل لحديثي بداية أقول بان المعاق بصريا في جًلده وصبره يشكل حالة  فريدة من نوعها، لإمتلاكها القدرة العجيبة على تذليل الصعوبات وتجاوز الألام وتضميد الجراح في أحلك الظروف ، وفي شخصية هذا المقال وجدت المعنى الحقيقي للكلمات السابقة ، وهنا يكمن سر الإعجاز والإعجاب ،


ان الطرق الموحشة المليئة بالعوائق والصعوبات التي يهيء لنا وجودها كأسوياء مبصرين يستطيع المعاق بصريا في قرارة نفسه أن يعيد رسم ملامحها من خلال ريشة الإصرار التي يمتلكها، ومن خلال قلم الإرادة الذي يحمله، وعبر سوط العزيمة الذي يروض به المحن والإبتلاءات ، حتى يبرهن لنا بالأدلة الدامغة ان تصورنا المسبق عن المعاق بصرياً والمبني في الاساس على فكرة العطف ونظرة الشفقه ماهو الا تصور خاطيء تملك عقولنا مع كل أسف.


تتواجد بين دفتي كتب التاريخ شواهد وأدلة تتحدث عن أولئك النفر الذين استطاعو تطويع هذه الإعاقة واستثمارها الإستثمار الامثل، والاستاذ - محمد  توفيق بلو - هو احد اولئك ولا ازكيه على الله، هذا الكاتب والمؤلف والمدرب، حاصد الجوائز كما يحلو لي تسميته، المحلية منها والعربية والاقليمية، والتي يصعب حصرها هنا، هو احد الطموحين الذين ابو الا ان يضعوا بصماتهم في جبين التاريخ، فالإعاقة البصرية التي ألمت به في سن متأخر، لم تكن حائلا او عائقا يوما عن تحقيق طموحاته، ولم تثنيه عن بلوغ مراده في خدمة الإنسانية.


في مرحلة من مرحل عمره العمليه تمكن من هذا الرجل من إحتواء عدادا كبير من هذه الفئة بعد ان قام بتأهيلهم التاهيل الأمثل والمناسب، الى ان بلغوا مراحل متقدمه في كثير من المجالات، مكنتهم بعد توفيق الله من الإندماج مع قرنائهم المبصرين وأهلتهم للعمل في مراكز ومرافق مرموقة في مفاصل الدوله، كان ذلك إبان ادارته لجمعية إبصار الخيرية، امينا لها وحتى بعد ان غادرها ، مع العلم بان هذه الشخصية هي صاحب فكرة مشروع انشائها،


حمل الاستاذ - محمد توفيق بلو - على عاتقه خلال تلك الفترة الزمنية مهمة الإرتقاء بهذه الجمعية لتصل الى أعلى المستويات، كما واجه في خلال تلك الفترة الرمنية الكثير من الظروف والصعب صامدا في سبيل الوصول بهذه الجمعية الى العالمية وقد كان، بعد ان جسد اروع الإمثله في التضحية والمثابرة.


ان للمبادرات الشحصية التي قام بها - محمد توفيق بلو - دور بارز في مساندة ذوي الإعاقة البصرية، كما كان لها الاثر الكبير في إثراء محتوى هذا النوع من الإعاقات، سواء في الجانب التوعوية اوالجانب المعرفي في ظل وجود المواقف الصعبة والتحديات المتفاقمة على الجمعية انذاك، غير انه ورغما عن ذلك فقد اصبح - محمد توفيق بلو- علامة فارقة بين اقرانه، وايقونة انسانية يشار إليها بالبنان في مجال العمل الاجتماعي، فور ان اوقف معظم وقته لإجلها وجند خبرته الداخليه والخارجيه التي تحصل عليها إبان مكوثه مراحل تعليمه في الولايات المتحدة الامريكية وإمتدادا" لجهوده السابقة، وهو ما اهله بالتالي للحصول على جوائز عديدة كان منها جائزة الأميرة صيتة بنت عبد العزيز للتميز في مجال العمل الإجتماعي ، وجائزة الأوسكار للإبداع العربي من الإتحاد الدولي للمنجزين العرب والأفارقة والذي اقيم في مدينة القاهرة اواخر السنة الميلادية ، اخيرا وليس اخرا اختم مقالي هذا ذاكرا" الإشادات الكثيرة التي نالها هذا الرجل من حول العالم وانا منهم.

عدنان هوساوي