رثاء الأندلس قصيدة أبو البقاء الرندي رحمه الله
قصيدة " أبو البقاء الرندي "
هذه القصيدة للشاعر الأندلسي " أبو البقاء الرندي " قالها في رثاء الأندلس بعد ما سقطت في أيدي العدو ، وفيها يتحدث الشاعر عن بعض المآسي التي حلت بالأندلس ذلك البلد الجميل الذي بلغت فيه الحضارة أوج عزها ، ورثاء المدن هو أحد الموضوعات التي استجدت في الأدب الأندلسي يقول فيها :
لكل شيء اذا ما تم نقصان ***فلا يغر بطيب العيش انسان
هي الامور كما شاهدتها دول *** من سره زمن ساءته ازمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد ***ولا يدوم على حال لها شان
يذكر الشاعر هنا حقيقة وهي أن كل شيء آخذ في التناقص والزوال إذا اكتمل نموه ، وهذه سنة الله في خلقه لذا فعلى الإنسا ألاّ يغتر بطيب عيشه فإن مصيره إلى الزوال ، وهذه الأمور كما تشاهدها متغيرة متبدلة فمن سره زمن فقد ساءته أزمان ، وهذه الدنيا لاتدوم على حال واحدة فهي في إقبال وإدبار وكما قيل يوم لك ويوم عليك ،
------------------------------------------------------------------------
دهى الجزيرة أمر لاعزاء له ***هوى له أحد وانهد ثهلان
فاسأل بلنسية, ما شأن مرسية ***وأين شاطبة , أم أين جيان
وأين قرطبة دار العلوم فكم*** من عالم قد سما فيها له شان
قواعد كن أركان البلاد فما ***عسى البقاء اذا لم تبق اركان
بعد أن وضح الحقيقة التي لايختلف عليها اثنان ، انتقل إلى ذكر المصاب الذي أصاب الأندلس فهوى وسقط لهذا الجلل والمصاب جبل أحد وتكسر وتضعضع جبل ثهلان ذلك الجبل الواقع في نجد
ولك أن تسأل بلنسية ما حال مرسية ، وأين هي شاطبة ، وقرطبة ، التي كم فيها من عالم قد سمت وارتفعت حاله ، نعم تلك العواصم التي كانت منارات للعلم ومعاقل الإسلام ، سقطت في أيدي النصارى فما ينفع البقاء إذا لم تبق أركان .
---------------------------------------------------------------------------------------------------
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف***كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الاسلام خالية ***قد اقفرت ولها بالكفر عمران
حيث المساجد قد صارت كنائس ما ***فيهن إلا نواقيس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة ***حتى المنابر ترثي وهي عيدان
ثم انتقل إلى تصوير حال الإسلام بعد سقوط المعاقل الإسلامية حيث أصبح حزينا فهاهي الحنيفية تبكي من شدة حزنهاكما يبكي المحب لفراق إلفه وحبيبه نعم تبكي على هذه المعاقل التي خلت من الإسلام وأقفرت، فصارت الأندلس كلها نصرانية، عامرة بالكفر وجعلت النواقيس في الصوامع بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان، بعد ذكر الله وتلاوة القرآن... فيا لها من فجيعة ما أمرها، ومصيبة ما أعظمها، وطامة ما أكبرها" فحتى الجمادات تأثرت لما حدث فأخذت المحاريب والمآذن تبكي وترثي نفسها .
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
يامن لذلة قوم بعد عزهم ***أحال حالهم كفر وطغيان
فلو تراهم حيارى لادليل لهم ***عليهم من ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهم ***لهالك الامر واستهوتك أحزان
يارب أم و طفل حيل بينهما ***كما تفرق أرواح وأبدان
لمثل هذا يذوب القلب من كمد ***إن كان في القلب إسلام وإيمان
ثم أخذ الشاعر يتحدث ويذكر حال بالمسلمين حيث تحولت عزتهم وقوة منعتهم لما شاعت بينهم المنكرات بلا نكير إلى ذل وهوان وإنكسار، سامهم إياه النصارى حتى بيع سادة المسلمين آنذاك في أسواق الرقيق وهم يبكون وحالوا بين الأم وطفلها وفرقوا بينهما عند البيع كما تفرق أرواح وأبدان فلو رأيت هذا المنظر وتلك الذلة لراعك الأمر .