أوجست كونت - مؤسس الفلسفة الوضعية - كان عنده نظرية لطيفة في تطور تفسير الإنسان للظواهر الطبيعية والاجتماعية والإنسانية.ألا وهي إن أي مجتمع بيمر بتلات مراحل للوصول للحقيقة...الأولى هي المرحلة الأسطورية الدينية، يليها المرحلة الميتافيزيقية المجردة، ويليها المرحلة الوضعية العلمية.
في المرحلة الأسطورية الناس بتفسر كل الظواهر على أساس إنها نتيجة قوى خارقة (قد تكون الإله وقد تكون شيء آخر). فتلاقي التفسير الوحيد لحدوث المطر إن دة بكاء الإله مثلًا، أو الطريقة الوحيدة لرضا الإله هي إننا نرمي طفل في البركان، أو إن المريض النفسي عليه جن ولازمًا يتحرق...الأساطير اليونانية والمصرية القديمة مليانة بالحاجات دي.
في المرحلة التانية (الفلسفية، الفكرية، المجردة)..بيبدأ يظهر ناس تفكر وتتساءل وتكتشف إن أكيد مش دة التفسير السليم لأي ظاهرة، أكيد فيه سبب أكثر منطقية، الناس دي زي أفلاطون، أرسطو، نيوتن، جون لوك، إلخ. وبيبدأوا يفكروا بشكل أكثر منطقية (فكر فلسفي مجرد) مش بينكر وا كل التفسيرات الدينية ولكن بيفكروا بشكل مجرد منطقي وبيحاولوا يوصلوا لإجابة مقنعة، مش هيقولوا إن المطر هو بكاء الإله ولكن هيحاولوا يتوصلوا ، مثلًا (جون لوك) كان ضد التعصب الديني وأحد أهم دراساته (رسالة في التسامح) كانت في محاولة للإجابة على سؤال (نعمل ايه في الناس الي مش مؤمنة بالإله بتاعنا) والدراسة أصبحت من أكثر الكتب المؤثرة في أوروبا فيما يخص التسامح الديني، لوك انتقد الأفكار الدينية المنتشرة بالمنطق والفكر ولكنه مكانش ضد التفكير الديني بالكلية بل توصل بالمنطق إن التسامح الديني أفضل من التعصب بناءً على قناعاته الدينية، كما أن فلسفة لوك السياسية في حاجة زي نظرية الحقوق الطبيعية الثلاث (حق الحياة، الحرية، الملكية) كانت قائمة بشكل أساسي على قناعته بوجود إله وإن الإنسان مكرم من قبل الإله.
في المرحلة  العلمية الوضعية الأخيرة...بيظهر ناس تالتة بتنتقد كل الي فاتوا، ناس زي داروين، فرويد، نيتشه...رافضين أي فكرة خارج إطار الملاحظة والتجريب..أي شيء ميتافيزيقي مجرد مرفوض ما لم يتم إثباته علميًا. فنيتشه كان ضد المسيحية والأديان تمامًا وشايف القيم الأخلاقية أساطير اخترعها الضعفاء وملهاش أساس علمي طبيعي، نظرية داروين الخاصة بالانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى كانت علمية قايمة على ملاحظة دقيقة مجردة من كل القيم الدينية والميتافيزيقية ومن ثم كانت الفلسفة الداروينية الي ألهمت نظريات كتير في السياسة والإدارة والاقتصاد مفرغة من أي قيم أخلاقية ملهاش بعد علمي.

كونت كان شايف التقدم هو إننا نوصل للتفسير العلمي الوضعي الحقيقي لكل ظاهرة طبيعية واجتماعية وإنسانية موجودة ونبعد سيطرة الدين والميتافيزيقا في أي تفسير ما.
ولكن (كارل بوبر) وهو من أهم فلاسفة العلم والإبيستمولوجيا في القرن العشرين كان له نظرة مختلفة
بوبر كان شايف إن النظرية الوضعية هتخلينا نرفض أي تفسير جديد للظواهر الي وصلنا لتفسيرها العلمي (أو فاكرين إننا وصلنا لتفسيرها العلمي). نظرية النسبية لآينشتين أظهرت أخطاء  لنظريات نيوتن، ونظريات نيوتن تعتبر نظرية علمية للسبب دة بالتحديد إنها نظرية قابلة للنقد، قابلة لإثبات صحتها وإثبات خطأها. على الجانب الآخر في الأديان الهندية فيه قناعة إن الأموات بيتم إعادة ولادتهم في أجساد تانية، بالتأكيد صعب تثبت صحة الفكرة دي ولكن كذلك صعب تثبت عدم صحتها عشان كدة معتبرنهاش نظرية علمية.
فرويد وآينشتين كانوا أحد أهم علماء القرن العشرين بل أحد أهم علماء التاريخ، ونظرياتهم غيرت مجرى مجالاتهم تمامًا ولكن من منظور فلسفة بوبر فيه أحد النظريات أفضل من التانية.
فرويد كانت نظريته بتتوقع إن تجارب الطفولة بتؤثر بشكل كبير على تكوين الشخص دة في النضج
نظرية آينشتين كانت بتتوقع علاقة معينة بين الضوء والزمن والمكان، ولكن نظرية آينشتين كانت علمية لسبب ما، إن آينشتين كان منتظر حدوث (كسوف شمسي) عشان يثبت إن نظريته خطأ...آينشتين كان عنده بيانات و أفكار من الحاضر وتوقع بيها المستقبل، ومن ثم كانت نظريته فيها مخاطرة، لأن نظريته قابلة للخطأ (لو توقعاته خطأ). ولكن توقعات فرويد كانت بتجمع بيانات من الماضي وبيحاول يتوقع بيها الحاضر، مفيش مخاطرة كبيرة لأنه يقدر يترجم بيانات الماضي دي بأشكال مختلفة عشان يوصل لنتيجة الحاضر.
سهل إثبات خطأ نظرية آينشتين، ولكن صعب إثبات خطأ نظرية فرويد لأنها قابلة للتآويل، ومن ثم فنظريات آينشتين كانت علمية، نظريات فرويد لاء. فيه جملة عظيمة مش فاكر هل بوبر الي قالها ولا حد تاني..إن انفتاحك إن فكرتك ومعتقداتك ممكن تكون غلط هي أفضل طريقة عشان تقرب من الحقيقة، لو فضلت مصمم على نظريتك هتفضل مكانك وهتمنع نفسك من إدراك أفكار كتير تانية قد تكون أصح من وجهة نظرك


إيه علاقة دة بالذكاء؟ سؤال عظيم..
لو بعدنا عن النظرة الدينية الفكرية، وبصينا على حياتك أنت كشخص فطبقًا لوجهة نظر (كونت) فهتلاقي الطريقة الافتراضية (default way) الي بتعيش بيها حياتك هي أدنى مستوى ممكن تعيش بيه، لأنه مش قايم على تفسير وتفكير ومنطق ولا قايم على نظريات علمية أكيد. لو بتقرأ كتاب بالطريقة الافتراضية، لو بتذاكر بالطريقة الافتراضية، لو بتشتغل وتنظم وقتك بالطريقة الافتراضية، لو بتربي أولادك بالطريقة الافتراضية فأنت في الأغلب أدائك أقل بكتير مما يجب(ويمكن) أن يكون. محتاج تنتقل من المستوى (الافتراضي الأسطوري) الي أنت عايش بيه بدون تفكير للمستوى الفكري المنظم...ازاي؟ سؤال عظيم

الإجابة: النماذج العقلية (Mental Models)، حاول تعمل (نموذج، نظام، طريقة، ألجورزم، معادلة، فورميلا، وصفة منظمة ...) تمشي بيها لغاية لما تبقا عادة عندك...احنا في الأغلب جوانا شخصين: شخص طموح مجتهد وذكي بينصح أصحابه ولا كأنه بوذا، و شخص كسول مسوف وعشوائي ومحتاج يتعالج نفسيًا...استغل اللحظات الي بيكون فيها الشخص الذكي شغال عشان يوجه الشخص الكسول لما يصحى...لو بتنسى المفاتيح كل يوم الصبح فهتكون فكرة عظيمة إنك كل يوم قبل ما تنام تحط المفاتيح في الجزمة عشان متنساهاش. لو دايمًا قراراتك غلط فهتكون فكرة عظيمة إنك تخلق نظام (تكتبه) لاتخاذ القرارات بناءً على تجاربك الشخصية وتجارب ناس تانية ونظريات مختلفة وهكذا..وتستخدم النموذج دة قبل ما تقرر أي حاجة، لو بتذاكر كتير ودرجاتك سيئة، لو مش بتركز لفترة طويلة، لو بتنسى الي أنت قرأته، اعمل نموذج أو نظام مكتوب للمذاكرة، نظام لزيادة تركيزك، نظام للقراءة النقدية.

أمثلة على بعض النماذج العقلية...مثلًا لو محتار تشتغل في إيه فتعمل نموذج مثلًا
Career choice = Passion + Status + Money * 2 + Fit
لو بتحب الكيمياء بقا فممكن نعمل نموذج لزيادة الإنتاجية..فتحدد إيه المحفزات (catalysts) الي ممكن تسرع الإنتاجية، وتحدد المثبطات (inhibitors ) الي بتخليك تتكاسل، وإيه العناصر الي محتاجها عشان توصل للناتج النهائي..وتعمل معادلة كيميائية جميلة عشان توصلك للناتج الي أنت عايزه

فتدي رقم في رينج (1 - 10) في كل عنصر مع اعتبار مضاعف لعنصر الفلوس، وأعلى مجال في الناتج النهائي يكون اختيارك. فيه نماذج تانية جاهزة علموها ناس تانية ممكن تستخدمها وتعدل عليها على حسب احتياجاتك... زي نموذج SMART في تحديد الأهداف، نموذج SWOT في تحليل المواقف، نموذج Opportunity Cost في استخدام الوقت والفلوس بفعالية، وهكذا. 

ولكن من وجهة نظر (بوبر) فهنلاقي إن خطورة النماذج العقلية هتكمن لو قدستها وخليتها غير قابلة للخطأ فالحل إنك تخلق أنظمة قايمة على مصادر مختلفة (تجاربك، نظريات علمية، نصائح أصدقاء، نصائح خبراء) وتكون منفتح بشكل كافي يخليك تاخد فيدباك وتعرف المشاكل في النظام بتاعك وتحسنها ومن ثم هيبقى أدائك أعلى.

أعتقد بالشكل دة هتبقى عقلاني ومنطقي أكتر وهتكتشف الانحيازات الي عندك والعيوب الي فيك وبمرور الوقت هتكتشف ايه الي ينفع معاك وايه الي مينفعش ومن ثم هتلاقي نفسك مدرك وواعي لتصرفاتك بشكل أحسن بكتير.