سأروي لكم القصة التي ضاعت من سلسلة ألف ليلة وليلة والتي قد عثر عليها خيالي
(الكتاب المدفون)
كان هناك حطاب بسيط يدعى "جعفر الصافي" يعد من أشهر الحطابين في مدينة "بابل"، بل أشهر حطاب في بلاد ما بين النهرين، وفي يوم حار من أيام تموز سرقه النوم تحت شجرة سنديان يبلغ عمرها ألفين عام.
أثناء نومه جاء إليه ابنه الأكبر "زين العابدين" وقام بإيقاظه ليأكلون الطعام سوياً، استيقظ "جعفر" ثم دار بينه وبين ابنه الحوار التالي:
"جعفر": قد قطعت عني حلمي يا "زين"، لو تأخرت قليلاً فقط.
"زين العابدين": وماذا كنت ترى في حلمك عروس جديدة غير أمي.
"جعفر": لا لم يكن حلما عاديا، بل كان كأنه رؤيا، أجل أظنه كذلك، ولكن لما أنت الذي أجلب الطعام، لماذا لم يجلبه أخوك "خالد".
"زين العابدين": أنهيت اختباراتي في الجامعة، وأصبح لدي وقت فراغ جيد قلت لنفسي أساعدك قليلا، ولكن أخبرني يا أبي ماذا رأيت في نومك.
"جعفر": رأيت مخلوق غريب قال لي أنت نائم على كتاب مدفون فيه سر عظيم كفيل بتغير حياتك.
"زين العابدين": حقاً وكأنها رؤية.
"جعفر": حسناً يا بني دعنا ننهي طعامنا ثم سأحفر في المكان الذي غفوت فيه.
أنهى "جعفر" طعامه ثم بدأ بحفر التراب قرب شجرة السنديان، وبعد مرور خمس ساعات من الحفر لم يجد شيئا فقال لأبنه: لا يوجد شيء ربما كان أضغاث أحلام، فقال له "زين": اصبر قليلا يا أبي لنحفر المزيد بعد.
بعد مرور ساعة عثروا على الكتاب، همً "جعفر" لتناوله ولكن أوقفه "زين العابدين" وقال له: تمهل يا أبي لنقرأ سورة الكرسي أولاً، ثم أخذوا الكتاب وزالوا التراب منه ثم قاموا يقلبون صفحاته ولكنهم لم يفهموا ولا أي كلمه منه فقد كان الكتاب يحتوي على مخطوطات وخرائط غريبة، وما أن وصلوا إلى نصف الكتاب وإذ بهم يسمعون صوت رعد في السماء وقد أصابهم العجب لأنهم في فصل الصيف، ثم بدأت أوراق الكتاب ترتجف.
أحسوا بالخوف وقد هموا بالهروب ولكن خلال أقل من لحظة انبعث من الكتاب بخار كثيف أزرق اللون ثم تشكل هذا البخار إلى رجل عملاق غريب الشكل وجلس على ركبتيه أمام الحطاب وابنه، فقال له "زين العابدين" خائفا نعوذ بالله منك أرجوك لا تؤذينا.
قال لهم العملاق: أنا جني اسمي "عامور" وقد سجنني وزير الملك منذ العصر العباسي في هذا الكتاب ، واليوم بفضلكم رأيت النور الذي حرمت منه في كل هذه المدة ولهذا أنا مجبر بتحقيق أمنية واحدة لكم قبل ذهابي إلى موطني في "الهند" ولكن بشرط واحد أن تتمنوها قبل حلول الظلام.
شعر "جعفر" بسعادة عارمة ثم قال بصوت مرتفع: إن هذا يوم حظي، أريد جرة مليئة بالذهب لا لا بل جرتان.. لا بل عشرة، ثم قال "زين العابدين": لا يا ابي تمهل هناك علوم أغلى من الذهب .
حدث خلاف كبير بين "جعفر" و"زين العابدين" فقال لهم "عامور": قد اقترب الليل ولم تتفقا على الأمنية، دعوني أحل هذا الخلاف بإجراء قرعة بينكم.
وافق الأب وابنه على هذا الاقتراح، وقد وقع الاختيار على الأمنية التي تمناها "زين العابدين"، فقال له "عامور" هات أمنيتك بسرعة.
قال "زين": أريدك أن تأخذني إلى أغرب مناطق في العالم، قاطع "جعفر" كلامه وقال له متهكما: ألم تقرأ عنهم في مادة الجغرافيا... يا لك من أبله، بسببك ضاع الذهب.
رد عليه "زين" قائلا: أظن أن أمي كان لديها صبر أيوب لتمضي كل هذه المدة معك.
وضع "عامور" "زين العابدين"على كتفه ثم طار به إلى مضيق جبل طارق الذي يصل بين البحر الأبيض المتوسط وبين المحيط الأطلنتي ثم قال له: هنا مدينة "أطلنتس" المفقودة، أنها غارقة هنا وهنا أعمدة هرقل، وقد سميت بهذا الاسم لأن "هرقل" قام بشق صخرة ضخمة هنا، يعتقد الباحثين أن مضيق جبل طارق هو بوابة المدينة، فقال له "زين العابدين": نعم قد ذكر "أفلاطون" شيء مثل ذلك فقال أن مدينة "أطلنتس" أقرب ما تكون للخيال ولم يذكر التاريخ مثلها أبدا، وأن موقعها وراء أعمدة هرقل، كما أن الكتب الرومانية القديمة كانت تسمي مضيق جبل طارق ب أعمدة هرقل، وقال "أفلاطون" أيضاً أن المدينة دمرت بعد طوفان كبير حل بها، وأن جده روى له عن "أطلنتس" بعدما زار مدينة "مصر" فقد أخبروه الكهنة المصرين أن "أطلنتس" حكمت العالم في الماضي، كما كان لديها هندسة متطورة جدا. ولكن الغريب في الأمر أن الدول المتقدمة تقوم بأبحاث سرية عنها في وقتنا الحاضر، مثلما فعل "هتلر" عندما أرسل باحثين نازيين للبحث عنها.
طار "عامور" إلى جنوب شرق "الجزائر" ثم إلى كهوف الطاسيلي ثم وقف قرب جدران هذه الكهوف وقال لزين العابدين هل ترى هذه النقوش على هذه الجدران، هي نقوش لحضارة ابتلعتها الرمال. دقق "زين العابدين" في النظر ثم قال: ما هذه الأشكال الغريبة أنها ليس رسومات بشر ولا حيوانات وكأنها مخلوقات غريبة.
قال "عامور" إن هذه النقوش يرجع تاريخها إلى عشرون ألف عام، فهي أقدم من أقدم حضارة رواها المؤرخين، والذي اكتشفها رجل عربي من قبائل الطوارق يدعى "جبرين محمد أبي بكر " ولكن نُسب المكان تزويرا إلى المستكشف الفرنسي "هنري لوكس" الذي استغل معرفة "جبرين" لمنطقة الطاسيلي للوصول الى تلك الكهوف ونسب هذا الاكتشاف لنفسه متجاهل مساهمات "جبرين" في هذا الإنجاز مستغل عدم معرفته بالقراءة والكتابة ولكن بعد ذلك اعترف هنري بمساهمات "جبرين" تحت ضغط الدولة الجزائرية.
وقد عاش في صحراء الطاسيلي الإنسان الأول ولكن هذه الرسومات الغريبة لا تتماشى أبدا معه، لهذا هناك فرضية تقول أن هذه الرسومات للمخلوقات التي سكنت الأرض قبل آدم عليه السلام.
قال "زين" متعجبا: وهل هناك مخلوقات سكنت الأرض قبل البشر، فقال له "عامور": نعم ، في كتب العهد القديم وكتب الأولين حدثونا عن مخلوقات سكنت الأرض قبل البشر و"الجن" وتُعرف أنها مخلوقات عاقلة تسمى "بالحن" و"البن" وأنها خلقت من الطين الازج.
وقد ذكر "ابن كثير "في كتاب البداية والنهاية في الصفحة الخمسون أن كثير من علماء التفسير ذكروا أن "الجن" خلقت قبل "آدم عليه السلام" وكان في الأرض قبلهم "الحن" و"البن" ثم سلط الله "الجن" عليهم وقتلوهم وابادوهم منها وسكنوها بعدهم.
قال "زين العابدين" : الله أعلم فقال تعالى في سورة البقرة: (وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).)
و"الجن" قد سكنوا الأرض قبل الأنس ولكن "الجن" ليس لهم دماء لهذا ربما الذين سفكوا الدماء وفسدوا في الأرض هم "الحن" و"البن".
طار "عامور" إلى صحرا ء تقع في شمال "المكسيك" في منطقة تسمى (حزام الصمت) ثم بدأ يتحدث عنها لزين قائلا: تعيش هذه المنطقة في صمت غريب حيث لا يمكن لوسائل النقل الحديثة العبور عبر هذه المنطقة، كما لا يمكن لأجهزة المذياع والتلفاز والجوال العمل بها، ولا يمكن تلقي إشارات الجي بي اس وإشارات الـأقمار الصناعية، كما أن الطيور تفقد بوصلتها الغريزية عند العبور بها، ومن الجدير بالذكر أنها تقع على نفس خط عرض مثلث برمودا الشهير، وقد قام الكثير من الباحثين بدراسة هذه المنطقة وقد اكتشفوا أن بها الكثير من الظواهر الغامضة، حيث سجلت شهادات للسكان المحلين بالقرب من هذه المنطقة أنهم شاهدوا أطباق طائرة، وكائنات غريبة، وأضواء في السماء مجهولة، وسحائب من الدخان بألوان متعددة.
طل الصباح وانتهى "عامور" من مهمته ثم رحل إلى موطنه في "الهند".
مرت بضع سنوات...
تخرج "زين العابدين" من الجامعة، وقد قام بالعديد من الاكتشافات والأبحاث عن المدن والجزر الغريبة الموجودة في العالم، ثم التحق للعمل بوكالة "ناسا" وأصبح أثرى رجل في مدينة "بابل"، كما قام بشراء كميات كبيرة من الذهب ووضعها في جرة ثم أعطاها لأبيه "جعفر".
في نهاية المطاف اقتنع "جعفر" أن العلم أهم من الذهب وأن المال يزول والعلم باقي، وقد اعترف لأبنه بهذا الأمر، وبعد سماع "زين العابدين" هذا الكلام نظر إلى السماء قائلا: سبحانك ربي رب السماوات السبع والأرضين السبع كل شيء عندك بكتاب لا يخفى عنك شيء لا في الأرض ولا فوق السحاب، كم تفاوتت على هذه الارض من شعوب وحضارات، وكم دفنت في جوفها علامات تكشف لنا عمق تاريخها، وأسرار تجعلنا عاجزين عن كشف غموضها.
أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح