تلك الأرواح الندية، التقية خلق الله بين جانبيها حبًا للتوحيد، والتوحيد محله السماء فكانت أرقى وأزكى كلما زادت إيمانًا إزدادت علوًا، فبعدت عن سفاف الدنيا، بأسها بأس ملك ، روحها روحٌ نسرية تحلّق بعيًدا عن أهل الطين، كلّما تربّصتْ بها نوبة ضَعفٍ تخطّتها مُحلِّقة ؛ حتى إنها لتهتدي في مسيرها بالنجوم، لفرط ما اعتادتْ التحليق في السماء.

قلاعها عالية، شامخة، لا تبالي بمن يرجمونها بالحجارة، لأنها ساقطة عليهم، أراوحٌ استمدت قوتها من القوي، وعلوها من العلي، وعزتها من العزيز، حتى صاروا في وادٍ والناس في واد

تلك الروح النسرية عظيمة، لأنها لاتبتئس بالأسراب ولا الجموع، ولا تخشى الوحدة، ولا تحط محط الطيور الأخرى، الله جعلها قوية سريعة، مختلفة الطبيعة، سريعة المرور، لاتلتفت لغيرها، ولاتقارن نفسها بغيرها، شيم العلو فيها، والتحليق بآية، والخضوع لله بوجل

تلك هي الأرواح النسرية، لا تبالي إن وضعها الخلق في قالبٍ معين، ولا تبالي بما قالوا لأنه ببساطة مقياس البشر لا يناسب حسبتها 

والله هو صاحب الحساب عليها، فكيف تكون في وادٍ غير واديه؟ 

قانونها قول الشاعر

"وبحثت عن سر السعادة جاهداً**فوجدت هذا السر في تقواكا

فليرض عني الناس أو فليسخطوا**أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا" 

فأي حالٍ أفضلُ من حالها؟