أنا ابن القدس .. عِشتُ و ولدتُ فيها .. و فتحتُ عيني منذ فتحتها على رؤية اليهود و شُرَطهم و جنودهم يصولون و يجولون فيها . 

كُنتُ أشاهدهم يوميًّا يتبخترون في أرض الإسراء و المعراج .. أرض الأنبياء و الرسل يدنسها هؤلاء أحفاد القردة و الخنازير ! 

لعل تاريخي لا يهمكم و مشاهد حياتي أيضًا ، لذلك سأنطلق إلى رواية السبب الذي جعلني أكتبُ هذه الرسالة . 

                               * * *

منذ أن انطلقت "الانتفاضة الثالثة" و أنا لم أهدأ .. أشاركُ في مواجهة هنا و هناك ، و في الرباط عند الأقصى ، يدفعني لذلك غضب و غيرة - و لا أزكي نفسي - من هذه المشاهد التي نراها و نسمع عنها و نعيشها . 

في أحد المواجهات في تلك الشوارع المقدسية الجميلة القريبة من الأقصى دفع جندي خنزير امرأة مقدسية مرابطة أمامي فاشتعل رأسي غضبًا و هجمتُ عليه و أنا أصرخ : يا خنزير ! و طوَّقتُ عنقه بذراعيّ و لكن رفيقًا له ملعونًا ضربني و هجم على رقبتي يخنقني ، فأتى شاب مرابط و ضربه إلى أن أفلتني و هرب البطل و هربتُ ! 

و في المساء دخلتُ مطبخ بيتنا و أخذت سكِّينًا و شحذتها و خبَّأتُها في غرفتي إلى أن يحين وقتها ..

                            * * *

أكملتُ حياتي بعدها و شاركتُ في مواجهات و شيَّعتُ جنائز أولئك الأبطال الذين أقدموا و لم يُحجِموا و نالوا الشهادة بينما أنا كل يوم أُقدِّم رِجلاً و أُؤخِّر أخرى .. تُغريني الدنيا و يوسوس لي إبليس اللعين : من لأمك و لأبيك من بعدك ؟! هل قسا قلبك فتتركهم و هم قد ربُّوك و ضَحُّوا بكل شيء حتى تكبر و تكون لهم سندًا و مُعينًا ثم تختار الموت و خذلانهم ؟! 

كانت لي صولات و جولات مع مثل هذه الأفكار ، أحيانًا تغلبني و حينًا أغلبها . . 

                          * * *

منذ أن شحذت السكين و فكرت بالشهادة - مجرد تفكير ! - أحسستُ أنَّني  أصبحتُ أكثر قُربًا من ربي - عز و جل - و أصبحتُ أحرص على الصلاة في المسجد بأوقاتها بعد أن كنت في الماضي قد يمر يوم كامل و لم أصلي فيه ركعة ! و أعترفُ أنَّني منذ أن حافظتُ على الصلاة أصبحتُ أجد إشارات و كأنها خاصة لي تحضُّني على الإقدام على الشهادة و أن أفعل شيئًا ضد هؤلاء الكلاب المحتلين ! و قبل يومين تقريبًا قرأ الإمام في صلاة الفجر آية هزتني جِدًّا ! ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ) 

هزتني فرجعت للتفسير أبحث عن معنى ( فثبطهم ) فوجدت أن معناها : " أي ثَقُل عليهم الخروج حتى استخفّوا القعود " فهزني معناها أكثر ! 

و عزمتُ فلن يعيقني شيء - بإذن الله - و لأغرسن هذه السكين التي شحذتها في أجساد اليهود و أعناقهم راغِبًا في الشهادة عسى أن يتقبلني ربي مع الشهداء و الصالحين .

                            * * * 

و لكِ يا أمي أنتِ و أبي فإنَّكم و الله أعَزُّ من في الأرض عليّ و لكن دين الله أعَزُّ ! 

لئن قلتم : لمن تتركنا ؟ أجبتُكم : تركتُ لكم ما قال الصِّدِّيق - رضي الله عنه - تركتُ لكم الله - عز و جل - فهو أرحم بكم مِنّي ، و أن تكونوا في حفظه و رعايته و عونه - سبحانه - خيرٌ لكم من رعايتي و عوني .. و السلام عليكم .

                             * * *  

( في أولى ساعات الصباح التالي برز شريط أحمر على القنوات يحمل فيه ما يلي : " خبر عاجل : مقتل جندي و مستوطن طعنًا و إصابة آخر ، و استشهاد شاب مقدسي بطلق ناري " ) 

                           * * *

تمت ليلة الثلاثاء الساعة 2:33 ليلاً                     بتاريخ : 20 / 1 / 1437                                       الموافق : 3 / 11 / 2015 م                                  في مكة المكرمة