والوثيقة عبارة عن بيان بأسماء بعضٍ من أهم شعراء النبط في القرون الماضية مقرونة بسنوات وفياتهم, كتبها المرحوم العلامة الشيخ صالح العثمان القاضي (1282-1351هـ), وهو أشهر من نار على علم, فقد تولى القضاء في عنيزة من عام 1324هـ وحتى وفاته, وله فيه قصص مشهورة تعبر عن ذكاء وزكن, تُذكّر بسيرة التابعي الشهير القاضي إياس بن معاوية المزني رحمه الله, وكان في شبابه مولعا بالشعر الشعبي؛ والتاريخ؛ والأنساب؛ وعلم الفلك؛ حتى أدرك منه في ذلك منزلة عالية, ثم اتجه إلى طلب العلم الشرعي, فسافر إلى القاهرة عام 1307هـ لطلب العلم (خزانة التواريخ النجدية ص7, ج8). ودرس في القاهرة على شيخ الأزهر الإمام محمد عبده, والشيخ جمال الدين الأفغاني, والشيخ سليم البشري, ثم أقام في مكة وطلب العلم على أشهر علمائها في تلك الحقبة, وظل فيها حتى عاد في شوال سنة 1324هـ إلى عنيزة بدعوة من أميرها عبد العزيز بن عبد الله السليم, ليتولى القضاء فيها. (سلسلة أحاديث عن مشاهير الأسرة صالح بن عثمان القاضي نبذة كتبها العم إبراهيم المحمد القاضي).

وجاءت الوثيقة في ملحق تضمنه تاريخ الشيخ صالح العثمان القاضي, الذي نشره الشيخ عبد الله البسام - رحمه الله - في مستهل الجزء الثامن من خزانة التواريخ النجدية. ومما لا شك فيه أن المرجع الأهم في تراث الشيخ صالح الموثق, هو حفيده المؤرخ الأديب النسابة الشيخ محمد العثمان القاضي - حفظه الله -, صاحب كتاب (روضة الناظرين في علماء نجد وحوادث السنين) وغيره.

الوثيقة:

بيان بوفيات كبار شعراء النبط على وجه التحديد

- وفاة الخلاوي تقريبا سنة 1010هـ ألف وعشر سنة.

- وفاة ابن عبد الرحيم راعي أشيقر سنة 1015هـ تقريبا.

- وفاة حميدان الشويعر سنة 1088هـ تقريبا.

- وفاة السميّن, من أهل ملهم سنة 1079هـ, وكذلك رميزان قتل تلك السنة سنة 1070هـ. (هكذا!)

- وفاة جبر بن سيار راعي القصب سنة 1085هـ.

- وفاة الجدر الخالدي سنة 1185هـ.

- وفاة قرينيس من الهزازنة سنة 1186هـ.

- وفاة عبد العزيز بن كثير سنة 1188هـ.

- وفاة أحمد أبو غتا سنة 1219هـ.

- وفاة محسن الهزاني سنة 1220هـ.

- وفاة رجم الدو سنة 1239هـ.

- وكذلك وفاة الشريف راجح سنة 1239هـ

- وفاة مشعان بن هذال شيخ عنزة سنة 1240هـ.

- وفاة مهنا أبو عنقا سنة 1245هـ.

- وكذلك وفاة العبيدي راعي الزلفي سنة 1245هـ.

- وفاة ابن لعبون سنة 1247هـ.

- مشاري السعدون قتل سنة 1249هـ.

- وفاة فهد الصبيحي في بريدة سنة 1255هـ.

- محمد العلي بن عرفج قتل في بريدة سنة 1258هـ.

- وفاة عبد الله بن ربيعة سنة 1260هـ.

- وفاة عبد العزيز بن جاسر بن ماضي سنة 1267هـ.

- وفاة الشريف سلطان بن شرف سنة 1274هـ.

- وفاة رشيد العلي بن العلا في الزلفي سنة 1275هـ.

- وفاة محمد آل عبد الله القاضي سنة 1285هـ.

- وفاة تركي بن حميد سنة 1287هـ.

- وفاة عبد الله بن تركي السديري, عبد الله بن جابر, من أهل عنيزة, سنة 1292هـ.

- وفاة محمد الصالح القاضي في عنيزة سنة 1293هـ.

- قتل (... ) قرب أشيقر سنة 1294هـ. (الفراغ من الأصل)

- وفاة صالح آل حمود الحسني سنة 1291هـ.

- وفاة بديوي العتيبي, ساكن مكة سنة 1296هـ. (بديوي الوقداني).

وفاة سليم بن عبد الحي في الحسا سنة 1317هـ.

وتكمن أهمية هذه الوثيقة وقيمتها التاريخية لدى المهتمين بسير شعراء النبط الأقدمين, في أنها حددت وفيات كثير من الشعراء الذين جُهلت سنوات وفياتهم, أو لم تُعرف على وجه التحديد, وإن جاء التحديد على وجه التقريب كما ورد في بعض الوفيات. كما أنها تعزز تحديد وفيات بعض الشعراء الذين دارت حول وفياتهم بعض الشكوك, وطغى عليها التخمين والاستقراء الظني, كالخلاوي, وابن عبد الرحيم التميمي راعي أشيقر, وتركي بن حميد، وغيرهم.. ويلاحظ أنها أيضاً اشتملت على أسماء شعراء غير معروفين - لدي على الأقل - مثل أحمد أبو غتا, والجدر الخالدي, ورجم الدو, وفهد الصبيحي.. وغيرهم.

وما أريد التوقف عنده هنا هو تحديد سنة وفاة الشاعر محمد الصالح القاضي, وهذه الوثيقة - حسب علمي - أول وثيقة تحدد سنة هذه الوفاة على وجه اليقين. فالشاعر هو ابن العم المباشر لشاعر نجد الكبير محمد العبد الله القاضي, واشتهر في التراجم أن محمد الصالح توفي ولمّا يتجاوز الثلاثين من عمره, وذكر بعض المؤرخين أن الشاعرين متقاربان في السن, وبناء على هذا الفرض غير المدعوم بالدليل حددوا وفاة محمد الصالح بأنها في حدود سنة 1250هـ, اعتمادا على أنه ولد في عشرينيات ذلك القرن قبل محمد العبد الله كما جاء في ديوان النبط, وإذا كان ناشر ديوان النبط الأديب الفذ المرحوم خالد الفرج قد وثق ميلاد ووفاة محمد العبد الله بالمقدمة التي كتبها حفيد الشاعر محمد الحمد المحمد العبد الله القاضي،فإني لا أدري علام اعتمد في نصه على أن ميلاد محمد الصالح كان قبل محمد العبد الله؟ وهو لم يذكر مصادره. قال في المقدمة (وكنا قد ظفرنا بمجموعة تحتوي على أشعار محمد العبد الله وابنيه عبد العزيز وإبراهيم مضافا إليهم ابن عمهم محمد الصالح القاضي) (ديوان النبط د/2) لكن كيف حصل على هذه المجموعة؟ وممن؟ لا نعلم, وهو لم يذكر شيئا عن هذا, ولذلك لعله نقل هذه المعلومة المغلوطة من هذه المجموعة المجهولة.

وأقول المغلوطة لأني أثق بالتاريخ الذي حددته الوثيقة هنا عاما لوفاة محمد الصالح, وهو العام 1293هـ لأسباب, منها: أن كاتب الوثيقة من أسرة الشاعر, وولد قبل هذا التاريخ بإحدى عشرة سنة، وهذا يعني أنه كتب عن علم مباشر لا عن تخمين أو نقل. ومنها أن الشيخ كان (في مطلع عمره من هواة الشعر, الفصيح منه والنبطي) كما أنه (ينظم الشعر بنوعيه النبطي والفصيح بمهارة, وله ديوان شعر مخطوط) (انظر: سلسلة أحاديث عن مشاهير الأسرة / صالح بن عثمان القاضي) ولذلك لا عجب أن يهتم بالشعر والشعراء، والاهتمام بسنوات وفيات الشعراء جزء من الاهتمام بشخصياتهم الخاصة والعامة. ومنها أنه مؤرخ ،والمؤرخ لديه حس خاص بالتوثيق، وتحديد سنوات ولادات ووفيات الأعلام من أهم اختصاصات التأريخ, والتاريخ يهدف في الأساس إلى التوثيق المبني على التوثق. ومنها أن كاتب الوثيقة رجل مشهود له بالنباهة والذكاء غير العادي.. إلخ

والغريب في الأمر أنه على الرغم من أن محمد الصالح كان معاصرا لمحمد العبد الله - باتفاق - إلا أننا لم نجد أي مظهر من مظاهر الاتصال الأدبي بينهما, على الرغم من أن محمد الصالح - باتفاق أيضا - لا يقل عن ابن عمه المباشر شاعرية. أتُرى السبب لأن محمد العبد الله - خلاف ما ذكره الفرج ومتابعوه - كان أكبر من محمد الصالح, وأن الأخير كان بعمر أبنائه, وأنه كان يهابه ويستحي منه؟ ربما! والخجل في المطارحة الشعرية - مع تفاوت السن - يكون عادة مع القريب أكثر منه مع الغريب, لذلك ليس غريبا أن يساجل محمد الصالح القاضي الأمير تركي بن ماضي (راعي روضة سدير), وهو من جيل محمد العبد الله القاضي أو قريب منه, ولا يساجل محمد العبد الله, وقد توفي تركي بن ماضي في سنة 1292هـ, وهي نفس السنة التي حددتها الوثيقة عاما لوفاة محمد الصالح, ولم يذكر الرواة أن الأمير تركي الماضي توفي صغيرا, بل نصوا على ما يدل على عكس ذلك, فقالوا إنه تولى إمارة الروضة من قبل الإمام فيصل بن تركي سنة 1259هـ, وهو لن يتولى الإمارة إلا وقد تجاوز العشرين على أقل تقدير, وهذا يعني أنه ولد في ثلاثينيات القرن الثالث عشر أوعشرينياته على وجه التقريب لا التحديد. إذا كان هذا هو السبب - ولا أظنه السبب - فلماذا لم نجد لمحمد الصالح اتصالات أدبية مع أقرانه إذًا؟ ومن أهمهم الشاعر الفذ عبد الله البراهيم الجابر الخويطر الشهير بابن جابر, وابن عمه عبد العزيز المحمد العبد الله القاضي وغيرهما؟ لماذا لم نجد له أي حضور اجتماعي أو أدبي يتعلق بوطنه, خصوصا أن عنيزة في تلك الفترة التاريخية كانت من أهم حواضر نجد سياسيا واقتصاديا, وهي الأهم - بلا منازع - ثقافيا!

أسئلة كثيرة تؤكد أن حياة المرحوم محمد الصالح القاضي وسيرته, لغز غامض, محير للباحثين حقا, وقد شمل الغموض والتجاهل كل ما يتعلق بحياته الخاصة والأدبية, ولولا قصائده التسع التي حفظها لنا الرواة لكان الآن كالكثيرين مطمورا في غياهب النسيان. وفي هذه الوثيقة تم إزاحة قليل من الستار, وجلاء شيء من الغموض في هذه السيرة, حيث اطلعنا على رأي هو الأقرب - عندي - إلى الصواب في تحديد تاريخ وفاته, ولعل الظروف تسمح بإزاحة بقية الأستار.

عبد العزيز الحمد القاضي 
نشرت في صحيفة الجزيرة العدد 13566
بتاريخ 2/12/1430هـ - 19/11/2009م