أي صاحبي أتذكر تلك الكلمة التي قلتها لأحدهم، فغيرت فكرًا، وطورت عقلًا، وثبتت نفسًا، أتذكر تلك البذرة التي غرستها في صحراء أمتك القاحلة، كم سهرت عليها، كم من ليلة بت تحرسها،
كم من أيامٍ ظللتها من وهج الشمس، كم ليالي دفئتها من زمهرير البرد، كم مرت عليك سنين عجافٍ عشتها وحدتك في تلك الصحراء، تسقي فسيلتك ولا تدري أستكبر؟ ،
وكم من القلوب ارتحلت عنك وأنت تجاهد على فسيلتك وتسأل رب السماوات والأرض،
هاهي صارت شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ها هي تعطي الناس الظل والثمر، هاهي تنحرف القوافل لها، وتتهافت القلوب عليها، هاهي فسيلتك تعتذر إليك بلطف تخبرك لم تكن حينها نبتة فاسدة شقيَة عصيّة، إنها فقط لم تكن لتعرف كيف تنمو، في ظل التضييق، والتنكيل، لقد كانت بحاجة إليك في تلك الفلاة القاحلة ، بحاجة إلى ثقتك على تلك الأرض المجدبة ، بحاجة إلى صبرك بين تلك الرياح العاصفة ، وهاهي اليوم كما كنت تتمناها بالأمس، ها هي دعوتك الصغيرة وكلمتك اليسيرة التي قد أوقفت عليها عمرك،
وأمتثلت لأمر ربك قد شُيد بها صرحًا عظيمًا، وصار الناس يتحاكون بها، ويذهبون لبئر كلماتك العذب يستسقون منه، هذا في الدنيا وغدًا، عندما تقوم الساعة لن تقف وحدك..
سيرافقك كلّ تفصيل عشت لأجله، وكل إنسان مسكت يده، وكل آية تعمّق بها فؤادك، في ظل الفتن، في ظل الابتلاء، وفي ظل الظلم والتكذيب، سيقف كل دقيقةٍ حاولت بها أن تكون خيرًا مما سبق، وكل همسةٍ ذكرتَ بها الله خاليًا ففاضت عيناك ورقَّ قلبُك..، سيقف لك كل مرة كظمت غيظك، وهذبت قلبك، وثبت نفسك وحدك، كن مجاهدًا لايمل، وعابدًا صبورًا لايكل، وانظر لهدفك وسِرّ لله دون أن تحمل معك رأي النّاس فيك، ودون أن تنظر لتقصيرك وذنبك بالالتفات عن الحسن الذي تملك...
وابك على ظلام قلبك، وأعلم أن السيئة قد تنقلك إلى أسفل سافلين وأن الحسنة ترفعك أعلى عليين
وعامل الخلق بالحسنى، وادعو بالموعظة الحسنة، ولا تتوقف
ولا تقل هَلك الناس، فتمسي أول الهالكين، ولا تعطي ظهرك وتقول للبيت ربٌ يحميه، الأقربون أولى في الدعوة، والصبر شيم الأنبياء والأتقياء، حدث من تعرفه ومن لاتعرفه، تارة بأقوالك، وتارة بأفعالك، فحتى أفعالك دعوة، ثم ترحل ذاكرًا فقرك لربك
وامنح "فسيلتك " عمرك وثقتك وصبرك، ثم ارحل بعيداً كيفما شئت، وحتماً ستعود إليها يوماً ما مبتهجاً مسروراً.