تخيل معي أن البشر، منذ خليقة آدم لايموتون! كيف ستكون رقعة الأرض التي يعيشون عليها هل سيكون هناك متسع للجميع!
ثم كيف سيكون سلوك البشر حينها هل يحمل بعضهم بعضًا!
كيف ستكون أخلاقياتهم وهل سيكون هناك من يحترام القوانين!
بالطبع ربما مررت بموقف ازدحام مروري، ورأيت مشاجرة بين ركاب لمواصلات عامة أو حتى بين سائقين بسيارت فارهة، ربما صدر منهم ألفاظًا لا تعكس مطلقًا مظهرهم الاجتماعي
دعني لا أطيل عليك...
في ستينيات القرن الماضي ”جون كالهون“ وهو عالم نفس سلوكيّ بوضع ثمانية فئران في مكعب أسماه ”الكون 25“ وهو عبارة عن صندق ذو تصميم رائع وفريد، وذلك حتى يتعرف على أثر الازحام على السلوكيات، كما مدها _أي الفئران_ بطعام وماء غير محدودين.
بعد 100 يوم من بداية التجربة بدأت الفئران بالتكاثر، وكان عددها يزيد باستمرار كل 55 يوم، وظل الأمر على هذا الحال حتى ازداد عدد الفئران
وفي اليوم 315 (بعد 10 أشهر وأسبوع من بداية التجربة)
لاحظ كالهون في هذه الفترة تغيرا كبيرا في سلوك الفئران لخصه فيما يلي:
●ظهور عنف واعتداءات جنسية بين الفئران
●بدأت بعض الأمهات بإيذاء أطفالهن وأحياناً قتلهم.
●انهيار وتفكك الروابط والتفاعلات الإجتماعية تماماً .
●انخفاض معدلات الإنجاب إلى حد كبير، وزيادة ظاهرة هجر الرضع
●بدأت الفئران بأكل بعضها على الرغم من وجود ما يكفي من الطعام.
●انعزل جزء من الفئران عن البقية تماماً دون افتعال المشاكل وحتى دون ممارسة الجنس، وسماهم كالهون ”الرائعون أو الجميلون“ ولم يكونوا يقومون بأي نشاط سوى الأكل والشرب والنوم.
● وأخيرًا انتشرت الأمراض بين الفئران بشكل كبير على الرغم من أن كالهون اختارهم بنفسه حتى يتأكد من سلامتهم وخلوهم من أي مرض.
بعد 560 يوم ( أي: بعد عام وستة أشهر من بداية التجربة) وصل عدد الفئران إلى 2200 فأر، وعلى الرغم من أنه كان مقدراً للكون 25 يتسع لخمسة آلاف فأر أي أنه معدل بطيء حيث إنه قلما نجا فأر بعد فطامه.
بدأت الفئران بالموت واحداً تلو الآخر حتى لم يتبقى إلا ما اسماهم ب "الجميلون"، وذلك بسبب الأمراض، ولكن بالرغم من موت عدد كبير منهم إلا أن الفئران لم تستطع العودة إلى سلوكياتها الطبيعية، لأنها لم تكن جزءاً من مجتمع طبيعي لفترة طويلة.
بعد 600يوم انخفضت معدلات الحمل، وارتفعت نسبة موت الصغار فور ولادتهم.
ماذا نستفيد من تجربة كالهون
لعل ابرز ما يلفت النظر في التجربة أن الازدحام هو العامل المؤثر والرئيسي للضغط النفسي، والذي بدوره يقود لمعظم الاضطرابات النفسية، فلا تتعجب من انتشار التحرش بالاماكن المزدحمة. وظهور الانحلال الاخلاقي.
وهذا الانحلال الاخلاقي الذي قد يسيطر على مجتمع ما لا يعني عدم وجود فئة تحافظ على القيم، فهذا الانحلال حتمًا سيفنى، وسيكتب النجاه لأصحاب الحق والقيم.....
انتهى