قبل سنوات وربما حتى الآن هناك فكرة/تساؤل يخطر على بال الواحد منا أو تتم إثارته والنقاش حوله فيما إذا كانت سماتك الشخصية التي تتصف بها في العالم الافتراضي - الانترنت - تعكس شخصيتك ذاتها في الواقع, بمعنى آخر هل أنت أنت ذاتك في الشبكات الاجتماعية -مثلا- وفي الواقع, أم أن هناك نسبة اختلاف بين الشخصيتين الواقعية والافتراضية, هل الافتراضية تتسم بنوع من المثالية, هل وهل .. هي تساؤلات طُرحت في الماضي ولعلها مازالت تطرح وفي رأيي في هذه المرحلة لم يعد مهماً بالنسبة لي معرفة أو التفكير في إن كنت أنا أنا هي ذاتها في الواقع والافتراض أم أن هناك اختلاف, ولا يهمني كذلك كيف هم الآخرين إن كانوا هم هم ذاتهم أو يختلفون.
ما المهم إذن ؟ .. ما يهمني وربما يهمكم هو كيف نستثمر وجودنا الافتراضي لصالحنا وربما لصالح من هم في محيطنا الاجتماعي الإلكتروني. لا أعني بالاستثمار الطرق الاعتيادية في مشاركة المعارف مثلاً أو طرح المفيد أو .. أو .. أعني الوجود والتفاعل أو حتى مجرد الوجود بدون تفاعل. لا أعني الاستثمار المتعمد أو المباشر بل أعني التلقائي الغير مباشر والغير متعمّد أو مُفتعل. مثلاً : أن تعرف بأن فلان "الافتراضي" يتصف بكذا ويعمل كذا ويفكر بتلك الطريقة وخطرت على باله تلك الأفكار وتصرف هكذا في موقف ما, و.. و.. برأيي لهذه المعلومات والتفاصيل الصغيرة جداً تلك التي قد لا نلاحظها ولا نفكر فيها تأثير علينا دون أن نشعر به. هذا التأثير يتراكم لا بسبب ذلك الشخص بل بسبب أشخاص آخرين أمثاله أثاروا ذات النقطة/الفكرة ونقاط/أفكار أخرى بشكل أو بآخر, في نفس المدة الزمنية أو على المدى الطويل, تكرار تعرض الواحد منا لفكرة ما قد تؤثر في تفكيره أو رأيه أو تصرفاته أو حتى قراراته.
ما يهمني هنا هي القرارات خاصة تلك التي تترك أثر في حياة الشخص سواءً كانت قرارات بسيطة جداً مثل: ابتسامة الصباح أو كبيرة جداً ويترتب عليها عواقب في حياته الشخصية. تلك القرارت التي نتخذها بشكل متعمد أو نختارها بشكل تلقائي تتشكل شئنا أو أبينا بسبب قناعاتنا الداخلية واستعدادنا الداخلي/النفسي أولاً ثم لمحيطنا الاجتماعي الواقعي أو الإلكتروني دور ثاني لا يستهان به.
في المحيط الاجتماعي الواقعي قد لا يكون بيدك أن تحذف منه أشخاص أو تضيف آخرين إليه, لا يمكنك التعديل عليه بسهولة, بينما المحيط الافتراضي تتاح لك حرية الإضافة والحذف, إلا أن الناس فيه ليسوا مجرد حسابات تضيفها وتحذفها دون تبعات عليك والمحيط الاجتماعي ليس مجرد افتراض تعدل عليه بسهولة ودون أثر رجعي, الناس هنا ناس حقيقية كأنت والمحيط هنا محيط حقيقي بأثره وتبعاته عليك وعلى غيرك. السؤال .. هو كيف أُشكّل محيط إلكتروني يدفعني للأمام بالاتجاه الذي أختاره؟ من الذين أختارهم وأسمح لهم بالتأثير علي؟ الأثر الذي قد أعيه أوقد لا أعي وجوده أو ألحظ تبعاته إطلاقاً. إن للكتب والقراءة مفعول علينا لكن مفعول الناس والتعامل معهم أو مجرد وجودهم في محيطنا مفعول لا يمكن تعويضه. حين تختار من تتابعهم فأنت قد تتحدد بذلك - دون أن تشعر - ما الأفكار التي تخطر على بالك أو كيف تفكر أو تقرر أو تتصرف أو حتى كيف تعيش!
حسناً, سأختار الإبقاء على متابعة من أريد أن يصلني نصيبٌ من أثرهم الطيب, سأختار متابعة آخرين. سألغي متابعة أشخاص ليس لأنهم سيئين أو لأن لهم أثر سيء عليّ بل ربما لأنهم ضروريين في مرحلة مضت أو قادمة من حياتي غير المرحلة الحالية. أعتقد بأن من حق ذاتك عليك مثلما تختار لها الرفقة والأصدقاء أن تختار لها محيط إجتماعي إلكتروني يدفعها ويحفزها للخير الذي ترجوه منها في حياتك.