د. علي بانافع
بداية قال تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65]. يتساءل الكثير من الناس وأنا واحد منهم عن الكيفية التي تمكنهم من التفريق بين علم التنجيم وعلم الفلك، الذي يُعنى بدراسة الكواكب والنجوم وطبيعة المذنبات والمجرات والثقوب السوداء والأنواء الجوية وما إلى ذلك، وأقول بداية يجب أن نفرق بين علم الفلك وبين علم التنجيم، صحيح أن العلمين كانا مرتبطين بعضهما ببعض في الأمم الفرعونية والبابلية والهندية والصينية، لتحديد مواعيد الزراعة والفيضان والاستدلال بالنجوم في حركة القوافل البرية والبحرية، بالإضافة الى أعمال السحر والشعوذة التي مارسها كهّان المعابد في ذلك الوقت، إلا أن العلمين ما لبثا أن افترقا كليا بعد أن تخصص علم الفلك بدراسة الكون دراسة علمية جادة وأصبحت له فروع تدرّس في أرقى الجامعات العالمية، ظل التنجيم قاصرا على قراءة الحظ والطالع انطلاقا من فكرة مضللة مفادها أن النجوم ذات تأثير في الناس وفي شؤونهم الحياتية اليومية. دأب الفلكيون العلميون والذين يناصبون المنجمون أو الأسترولوجيين العداء، بعد افتراق العلمين عن بعضهما منذ أمد بعيد، على التحذير من مغبة الاعتقاد بالعرّافين والمنجمين وتصديقهم وبالأخص مع بداية كل عام ميلادي، حيث تكثر التنبؤات بأحداث السنة الجديدة، ومعظمها مبني على التخمين والظن والاستقراء لاستشراف احداث مستقبلية أكثر من كونها تنبؤات بالمعنى الحرفي للمصطلح.
قبل أن يضحك عليك جاكلين عقيقي، أبو علي الشيباني، البكري، الأزري، الآلوسي، ماغي فرح، أحمد شاهين أو حانوتي النجوم كما يطلق عليه، ميشال حايك، عبد العزيز الخطابي، عبد المجيد إبراهيم، إبراهيم حزبون، والقائمة طويلة من العرافين لهم متابعون فضائيا وإذاعيا وإلكترونيات وورقيا، وكل هؤلاء إنما يبيعون وهما لمن يشتريه لمناسبة كل عام ميلادي جديد جريا على عادتهم في كل عام على خطى من سبقهم حذو النعل بالنعل، وبناء على ذلك فإن فريقا من علماء جامعة ستانفورد الأمريكية اقترحوا نشر تحذير في زاوية الأبراج اشبه ما يكون بالتحذير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية على علب السجائر، ارتأت أن ينص على أن الأبراج هي للتسلية فقط وللمتعة وأنها محض كلام لا يستند إلى أية حقائق علمية.
وهناك أثر يظن الناس خطأ أنه حديث ومعناه صحيح ويلفظونه لفظا غير صحيح، حيث يقولون: (كذب المنجِّمون ولو صدَقوا – بالقاف) والصحيح: (كذب المنجِّمون ولو صدَفوا – بالفاء)، بمعنى أن توقعاتهم جاءت موافقة مصادفة للواقع، وحسبنا أن نُذَكِرْ بواقعة عمورية حين قرر الخليفة المعتصم بالله العباسي، أن يفتحها عنوة ليطلق سراح الأسيرة المسلمة التي صاحت وامعتصماه!! فنصحه بعض المنجمين بعدم الخروج إلا بعد نضج التين والعنب لعدم موافقة الطالع، فضرب كلامهم عرض الحائط وخرج فقتل وأسر 90 ألفا من الروم وحرر المرأة وعاد ظافرا، فأنشد أبوتمام رائعته البائية: السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
ناهيك عن أن الحركات الهدامة كلها تتخذ من التنجيم وقراءة الطالع منطلقا لها لتضليل الشباب وخداعهم، بدأ بالويكا، والرائيلية، وطائفة اوم، وما يسمى بعبدة الشيطان، وبوابة السماء، وهاركريشنا، والبابية والبهائية والقاديانية وغيرهم، الأمر الذي يفتح الأبواب على مصاريعها لاشتغال الناس بالسحر والنجوم وظهور الأدعياء ومن لف لفهم ما لم يتنبه التربويون لهذا الخطر الداهم ويحذرون منه، العجيب والغريب والملفت للنظر أن بعضا من المسلمين لا تُظهر الفرح والسرور بعيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك، وبعيد من يقول أن عيسى ابن الله!! تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا تفرح وتفرفش!!