عقب حصوله على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية من معهد ماساشوستس للتقنية MIT في شرق أمريكا، عاد فريد تيرمان إلى الساحل الغربي في أروقة جامعته الأم جامعة ستانفورد ليصبح أستاذًا فيها ثم عميداً لها. اشتهر تيرمان في مجال هندسة الراديو وألف أهم مرجع يدرس في مجاله.
خلال الحرب العالمية الثانية، وهي الفترة التي شهدت دخول الأكاديميين عالم البحث والتطوير التطبيقي العسكري سريع الإيقاع والمتطلع لظهور نتائج تطبق في ميادين المعارك، عاد تيرمان إلى الساحل الشرقي من جديد ليترأس معمل أبحاث الراديو في جامعة هارڤارد وذلك لإيجاد طرق لتحييد الرادارات الألمانية التي كانت ترصد طائرات الحلفاء وتجعلها صيدًا سهل الاستهداف. بعد انتهاء الحرب وبداية الحرب الباردة عاد تيرمان إلى ستانفورد من جديد واستطاع جلب دعم حكومي لتأسيس معمل للأبحاث الإلكترونية السرية المتقدمة في مجال الميكروويڤ والحرب والتنصت الإلكتروني بلغ عدد الباحثين فيه حوالي ٨٥٠ باحثاً.
شهدت ولاية ماساشوستس، إبان الحرب ومابعدها، بداية ظهور أجواء عالم الشركات التقنية الناشئة بتعاضد البنوك وحكومة الولاية ورجال أعمالها وتأسيس أول شركة رأس مال مغامر وهي الشركة الأمريكية للبحث والتطوير ARDC التي دعمت ولادة "ديجيتال" DEC كأول شركة تقنية أسسها خريجي إم آي تي؛ كين أولسن وهاريان آندرسن.
يبدو أن الفترة التي قضاها تيرمان خلال الحرب ومابعدها في كيمبرديج مع أستاذه ڤانييڤر بوش، رئيس مكتب البحث والتطوير العلمي (Office of Scientific Research and Developement) ومؤسس الهيئة الوطنية للعلوم NSF ، قد أثرت فيه بشكل كبير. فقد شجع تيرمان طلاب المعمل ، الذين لديهم أفكار تقنية في المجالات الداعمة لصناعة للميكروويڤ ويمكن أن تتحول إلى منتجات تجارية، على ترك المعمل وإنشاء شركاتهم الخاصة وذلك بمنحهم أماكن في حديقة ستانفورد للأبحاث Stanford Research Park على أن يكون تيرمان عضواً في مجالس إدارة شركاتهم فظهرت بذلك هيوليت باكارد و ڤاريان وليتتون وغيرها..
استقطب تيرمان أيضاً شركات أخرى ذات طابع إلكتروني / كهربائي مثل معمل ويليام شوكلي لأشباه الموصلات ولوكهيد وغيرها. شجعت تلك الأجواء على ظهور المزيد من شركات التقنيات الإلكترونية و الصناعات العسكرية إلى المنطقة المحيطة بسان فرانسيسكو وجامعة ستانفورد مما أدى إلى ازدهارها وظهور ماعرف لاحقاً بوادي السليكون. واصل تيرمان عطاءه فكان من الأعضاء المؤسسين للأكاديمية الوطنية للهندسة NAE والمعهد الكوري للعلوم والتقنية المتقدمة KAIST.
الملفت في الموضوع أن معمل أبحاث الميكروويڤ العسكرية، الذي قدم خدمات جليلة للحكومة ونشأت منه تقنيات غيرت وجه العالم في مجال الكمبيوتر ونظم الاتصالات، تم إغلاقه وتسريح العاملين فيه تحت ضغوط الاحتجاجات الطلابية التي اجتاحت ستانفورد إبان حرب ڤيتنام في الستينيات، فكان تسرب طلاب المعمل المستمر عبر السنوات بتشجيع من تيرمان خير منقذ لهم من تبعات إقفال المعمل المحبطة، كما ساعد ذلك بقية زملائهم على اللحاق بهم أو تأسيس شركات تقنية أخرى، والأهم من ذلك أنه أسس لسنة توارثتها الأجيال في ستانفورد تتمثل في الجرأة على تحويل البحث العلمي إلى منتج تجاري وخوض تجربة تأسيس شركات تقنية تتنافس للحصول على استثمارات مالية مغامرة. استمر ذلك التقليد الذي كان من نتاجه سيرقي برين ولاري بيج مؤسسي قووقل وغيرهم كثر.
رؤية فريد تيرمان العلمية والاقتصادية واستقطابه للتمويل الحكومي الوفير إبان الحرب العالمية والحرب الباردة ، وإدراكه في نفس الوقت صعوبة الاعتماد الكلي على استمراريته وضرورة إدخال البعد التجاري في التقنيات التي تطورها معامل الأبحاث، حولت تحدي الرادار الألماني العصي إلى فرصة نتج عنها إخراج المارد الأمريكي لريادة الأعمال التقنية من القمقم.