الطعمية ليست غذاء!
يعني اللي اخترع الشيء ده قرر يحط أقوى سلسلة من الطعوم جنب بعض .. الثوم بكل عنفوانه والبصل بكل ثقله وجوهريته ثم الكزبرة الخضراء والناشفة وهي مخزن البهجة الأزلي والكراث المصري الذي يلعب دور المحلل الشرعي لهذه العلاقات الآثمة وكمون للطعم الأرضي وشطة للطعم السماوي والبقدونس للوجاهة الأدبية والشبت للحتة الشعبية .. وبعدين عصر كل ده مع بعضه وتسأل السؤال الفلسفي.. ناقص ايه تاني من مسببات اللذة؟ .. الدهون المشبعة والزيوت المحروقة طبعا!! الدهون والقرمشة والدفء!!
كل ده محتاج حاوية تعيش في الظل .. اي مادة تقبل أن تكون على الهامش وتقبل أن تحمل الطعم والريحة وتستجيب للتشكيل ولا تمانع في احتمال الحرارة .. الفول المبلول .. وحتى ده مش اساسي .. الحمص بيعملها والعدس والفاصوليا والعيش المبلول والبطاطس بيعملوها عادي برضه على فكرة ..
ربما لهذا السبب سميناها الطعمية! لأنها فكرة للطعم وليست طعاما في الأساس! هي مخبأ مثير للسعادة واللذة والحزن النبيل!
الرائحة تهزم أعتى إرادة في الدنيا .. أنا أزعم اني ممكن اقطع دراعي بنفسي دون أن يطرف لي جفن .. أترك حبيبا أو قريبا دون أن التفت ولو مرة! بس أعدي على ريحة الطعمية المنبعثة من طاسة على بعد اتنين كيلو فتثور في نفسي الشجون وتتقلب أمامي الذكريات والمواجع ويجرفني ذاك الإحساس الإيماني الفلسفي العميق بأن الإنسان مسير لا مخير!
عمري ما شميت ريحة الطعمية الصبح الا وصعبت عليا نفسي وحسيت بالرغبة في الارتماء على كتف حنون أو في صدر دافئ لأبكي قسوة الحياة وأبرر استحقاقي لشيء ما! استحقاق غير موجه.. أنا فقط أستحق!!
لذلك لم يخطر في بالي أبدا التشكيك في مصرية هذا المخلوق .. ألم تر أنه يختزل كل ما فينا كأغنية شعبية تجعلك دائما المظلوم في رواية أحدهم وتبرر لك كل لذة حتى الأكل؟ ألم تر أنه مثلنا، بهجة بلا مضمون وسعادة بلا طائل واستحقاق بلا عمل؟ ألم تر أن الطعمية هي المصري الحرش الدافئ المثير والنصاب في آن واحد؟
وعندما يرتمي قرص الطعميه الساخن داخل شقة العيش البلدي وعليها الجبنه البيضا والذي منه أصبح شاطر ومشطور وبينهما طازج . وياسلام لو كوبايه شاي يبقي كملت الهويه المصرية .