إلي تلك العينين التي تحسس الزاد، وتقف ليلًا إلي رب العباد،
تجثو على ركبتيها، وترفع كفيها، تستنزل جُند السماء، ولها أمنيات ترفع لملك الملوك..إلى أصحاب الجسد المنهك وما يسلِّيها إلا عن قريب سنلقى الفرج من القريب المجيب.
إلى تلك الأنفاس التي تدفئ بها أيديهم في هزيع الليل البارد وعسى أن تملأ صدروهم بها من ريح الجنة.. وتطفئ عنهم وهج الدُنيا...
إلي تلك القلوب التي تقرأ حرفي، وفي قلبها ضيق أفضته إلي خالق القلب، أيتها الأنفس الصامتة حديثك أكاد أقرأه،
أغوار قلبك أكاد أصل لها وأسير فيها، حرفك الصامت أراه أمامي...
أحيانًا يكون الصمت لغة، وأحيانًا تعجز اللغة بعظمتها عن وصف مافي الصدور...
خاطبي لكم.. وما كان هذا الحرف يُمر أمامك أنت دون غيرك هباء.. إنما لشئ أراد الله أن تراه.. فلا تبرح مكانك.. حتى آخذك كلك بقلبك لجولة التبصرة في نفسك..
هات يدك فهذا خاطب رباني من ربُ السماوات.. خاطب فردي
تتلوه في كل ليلة، وفيه من التسلية، والتصبير عجيب
يطفئ شرارة الحزن، ويمحو عنك كَدَر الليالي، ومشوشات الأيام...
"أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ"
خاطبٌ من ربك الذي تناجيه كل ليلة، أن الانشراح بيده فقط،
فالانطراح بابه أول الانشراح،
شرح صدرك حين ألزمك شرعه، شرح صدرك حين أعطاك الإسلام، "فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ"
شرع صدرك بالدعاء فالدعاء دواء.. شرع صدرك حين أعطاك القرآن
فالإنشراح إتساع الصدر وما كان اتساعه إلا بالطاعة،
"وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ "
يالله الذي خاطب النبي من قبلنا، ألا يَشدك ذلك الموضع
أن يحطط عنك خطاياك، فالذنب كرب، وغفرانه قرب
والذنوب ندوب، ولربما محقت بركة، أو حَوّلت نعمة، فلما غفر الذنب، وقبل التوب إلا لينقلك من ضيق الذنب لسعة الطاعة..
"الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ
يخبرك ربُ العزة الهدف من الابتلاء، يقولك الابتلاء اجتباء
الابتلاء هدفه تخيف ما أثقلك، الابتلاء ينقلك من مجرد التكليف إلي مناط التشريف، الابتلاء أساسه تخفيف،
فالابتلاء الذي يمحو الذنوب هو كاشفٌ في أساسه للضر، وباقياً للأجر يوم تكون العُملة الوحيدة التي تقبل هي الحسنات..
"وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ"
يُرفع ذكرك، بقدر إخلاصك، فالإخلاص خلاص،
ولنا في النبي ﷺ أُسوة حسنة لما اجتباه رَبُه رفع ذِكره واقترن اسمه مع رب العزة في الأذان والإقامة، والتشهد، والدعاء... الخ
فإرفع ذكرك لمولاك، وناجه يتولاك، ارفع كفيك الله أقرب إليك
ما كان العظيم ينزل لك آياته، ويعلمك مناجاته، لئلا يردك،
ما كان الكريم يخبرك بتلك الآيات، ليتركك الله عظيم فلا يليق أن تعامل العظيم بالتخليه،
فإلزم وِرِدك، وقِف على بابِ ربك..
"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"
"إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"
يعلم ضعفك يرى حالك، يبصر انكسارك، ويسمع دعائك، كريم إذا شددت حبال الرجاء، أنزل عليك بعد الشدة الرخاء
فوعدك بالعسر الواحد يسريين،
سبحانه ميسر كل عسير، وكل عسير عليه بيده يسير
سبحانه وعدك أنه سيُيَسر لك كل عسير،
فإن تيسير كل عسير عليه يسير... ولكن عليك ألا تنسى
الأمداد يكون بقدر الإعداد، والعطاء على قدر الرجاء،
والأمل على قدر العمل، فلا تبرح بابه، ولا تيأس من الطرق
فإن الباب يوشك أن يفتح، وما سُدت أبوابه يومًا لكنه سبحانه يُحب المُلح في الدعاء، فيغفر الذنب ويقبل التوب، ويعطي فوق الرجاء...
"فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ
لاتتوقف، لا تمل، لا تكل، لا تيأس الطاعة بعد الطاعة، قرب
والفراغ بطالة من لايعمل في سوق الآخرة،
وأفرغ قلبك من محاب الدنيا، مقبلاً على الله لا تريدُ سوى وجه الله، وأينما يممت شطر وجهك فثم وجهه،
والدنيا ميدان العمل حتى يأيتك الأجل، والآخرة دار الراحة
ومن آثر الراحة فاتته الراحة، فإلزم غرسك، وعاهد ربك، ولتكن غايتك ووجهتك له، وسبيلك على طريقته وشريعته،
نَصِب نفسك في هزيع الليل مناجيًا، فأول الفواتح أن يرى الله جبينك له ساجد، ليكن لسانك دومًا له ذاكرًا، وقلبك له شاكرًا
"وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب"
لتكن كل رغبتك ورهبتك له، سؤالك له، وجوابك ونوالك بين يديه، وأنت تقلب نظرك لربك في السماء عندالدعاء هَامتك المرفوعة عين العزة لسؤلك إياه، وعند سجود إياه إقرار بالفقر له والتسليم إليه.. ماكان العظيم ليتركك فلا ينشرح صدرك
وقلبك لتلك المعاني حوى، ما تبعت هواك وما عبدت الهوى، لكنك لجأت لشديدِ القوى
فكيف حال قلبك؟ وما بال ضرك المنهزم، وحزنك المنصرم،
و دمعك المُضرِم، إذا كان الله طبيبك، والذكرُ جليسك، والفرج حَليفُك... وهذا وعدٌ من الله بأنه مجيبك...
اللهم ولا مكروبًا إلا فرجت عنه
أنْت المَعْني.. بتلك الحروف دون غيرك!
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين