د. علي بانافع
اضطررت للقراءة حول الفلسفة الطاوية (التاوية) الصينية القديمة، التي ظهرت قبل ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام بخمسة قرون، ومعرفة كنهها وجوهرها وكيف تحولت فيما بعد إلى ديانة، فوجدت أن لا التاويون ولا البوذيين يؤمنون بوجود الإله أصلا، ويذهب التاويون إلى شيء مشابه لوحدة الوجود وهو الانسجام مع القوة أو الطريقة التي تحكم العالم وتسمى: (تاو).
أما من أين جاءت فكرة وحدة الوجود إلى المسلمين فلا دليل ملموسا عندنا على ذلك، لأن هذه الفكرة تسربت إلى أفراد ينتمون إلى كل الأديان تقريبا ثم انتشرت في كل العالم، عندها عرفت سر انحراف بعض المتصوفة القائلين بوحدة الوجود من المسلمين، يوم أن استوردوا أفكارا من أهل الكفر والضلال، وصدق سبحانه وتعالى عندما قال: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30].
كم حمدت الله ألف مرة على نعمة الإسلام من فلسفات آمن بها الملايين وهي شبه لا شيء، وعندها أدركت كم هي البشرية بحاجة إليك أيها الإسلام، وأدركت ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين!!
فلسفة وحدة الوجود كما نعرفها موجودة في الأصل في فلسفة اليوغا الهندية، وهدف اليوغا هو الاتحاد مع الإله، ويمر الممارس لليوغا بثلاث مراحل من التدريب وهي: التركيز ثم التفكر ثم التأمل كي يصل إلى هذه المرحلة النهائية، واتوقع أن فلسفة التنمية البشرية ومعها تطوير الذات في أصلها فلسفة قديمة صينية كانت أو هندية.
إذ ليست التنمية البشرية في حقيقتها تكمن بنقل تجارب نجاح وتفوق غير طبيعية، غالبا ما تكون فردية وشديدة الخصوصية لخارقين هنا وهناك، في محاولة لتعميمها وجعلها تجربة جماعية، فيضرب المدرب التنموي لنا مثلا بجنكيز خان الذي عاش يتيما، مطاردا، أسيرا، وحيدا، ثم وحد القبائل المغولية واحتل نصف الكرة الأرضية فلو كانت التجربة -الجنكيزية- تصلح للجميع لما اختص التاريخ بذكر جنكيز خان من دون سواه كأشهر سفاح وغازٍ وفاتح في العالم، والحديث يصدق على: ستيف جوبز، وإديسون، وآينشتاين، ومؤسس أمازون، وأعضاء نادي الـ 100 مليار دولار وغيرهم، الرسالة التنموية تكمن بوضع برنامج -نهوض واستنهاض جماعي شامل وكامل ودائم- من شأنه أن يرقى بالمجموع وليس بالأفراد إلى آفاق أرحب ومجالات أوسع، والمجتمع حين يرتقي بمجموعه سيرتقى حتما بأفراده ﻷن المتخلفين منهم عن الركب والكسالى والمتقاعسين سيعاملون معاملة مهينة حينئذ، فضلا عن النصح والتوجيه والتوبيخ المتواصل من قبل كل من حولهم، ما يجعلهم ناشطين ﻻ خاملين ولو رياءً، وبناءً عليه انصح المدربين التنمويين باستعراض تجارب نهوض جماعية للأمم والشعوب من كبوتها لا الأفراد، على المدرب التنموي أن يحدثنا كيف نهضت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، اليابان بعد قنبلتي هيروشيما وناجازاكي، كيف أصبحت الصين المنافس الأول ﻷميركا اقتصاديا، كيف أصبحت روسيا منافسها الأول عسكريا، كيف استطاعت كوريا الجنوبية الانتقال من فئة الدول النامية حتى الخمسينات إلى دولة صناعية كبرى بظرف 35 سنة ﻻ أكثر، فيما لم ينهض العراق منذ عام 656هـ واحتلال بغداد على يد هولاكو الجزار أو الجبار وإلى يومنا، ولم تنهض مصر منذ الغزو النابليوني على قدميها حتى الآن، القضية بحاجة إلى تعميم تجارب النهوض اﻷممية والشعبوية لا شخصنتها ولا بأس باستعراض دور الأشخاص في هذه النهضة أو تلك، ﻷن الخارقين والعباقرة هم قلة قليلة جدا عبر التاريخ، وبإمكان كتاب من الحجم الكبير بمجلد واحد أن يستعرض أسماءهم وسيرهم كلهم حسب الحروف الأبجدية لقلتهم من آدم الى مارك زوكربيرغ، وباختصار شديد أعتقد أن ثلاثة أرباع التنمية البشرية وتطوير الذات يمكنك الاستغناء عنها بالنوم الكافي المُريح للأعصاب والمخ والكبد ..
نحمدك اللهم على نعمة الإسلام، رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.