"وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"
فإن جاء ذكر الجنان يُحلِّقُ القَلب بجناحَيّ الحُبّ، وتجري في الشرايين هدير السعادة، وأنت تتخيل وقوفك مع ممن تحب يداً بيد، وقلباً بقلب، وقد نادى عليكما ربُ العزة أن سلام عليكم فادخلوها
فتَسري النّبضات... وتسقط العبرات
هكذا العيون مترقبة، والقلوب متلهفة، لحظة الفتح، لحظة الدخول، هنا سيموت الحزن، ويُفقد معنى الفقد، ويتكسر معنى الكسر، وينكب الظلم على وجهه حيران أسِفًا
الوفود تتصافح، والجراح تمحى، والقلوب تتعانق أنسًا
وتهوى المشآق، وتعلو الراحة
فهات قلبك، وأسمعني كلك...
إذا أدركت قيمة الحسنة وثِقل السيئة، اشتعلت فيك العزائم، ومسحت عنك ألم الهزائم، وصرت مع الله في تجارة فردية،
وأدركت أن الدنيا ميدان العمل حتى يأتي الأجل، والنفوس المسرورة مَن أبرمت مع الله عقدًا، وبدأت معه عهدًا، فعملت له دهرًا ، و سعَت له سرًا وجهرًا
فقوّمتَ له ظَهرًا و شددت له أزرًا ، و قامت له عَمَلًا ، حتى يرزقها الله حصاد البَذل حُبًا !
إذا أدركت أن في الجنة درجات، وكُل حسنة أو سيئة قد تنقلك لأعلى عليين أو تحط بك لأسفل سافلين
وأن كل درجة بينها ما بينها من التفاوت والتسامي عظيم، بل إنّ بين الأنبياء تفاوتًا في المنازل، وكل ابتلاءٍ واختبارٍ وكل طاعة وكل ذنبٍ يؤثر في منزلتك، فمن صلى في جماعة ليس كالذي صلى وحيدًا مع أن كلاهما قد صلى، والذي عصى مرة ليس كمن عصى عشرا، فمنزلة الإنسان على قدر عمله! إذا أدركت هذا كله لشمرت ساعدك، ونفضت عنك تراب الكسل، ستدرك أن الهمَّة بِقَدر ِمَا تتعَنَّى، وبها تنالُ مَا تتمنى...
يا فتى، لو أدركت ما صار له القوم الأوُلى، وكيف غرسهم  رفعهم نحو العُلا، نبت فيك في كل فجر جديد، عزيمة من حديد،
وصار لسانك لموالاك  لايفتر، حتى صرت من أهله وخاصته،
فالعظيم جليسك، وكلامه أنيسك، وذكره زادك، وقوت روحك، وقوَتك..
هكذا ستلوح الآخرة بكمالها، تربت على قلبك، فتحيي فيك العزائم السماوية، وتنجلي الأحزان، وتمضي النفس من الرحمن إلى الرحمن!
ستعلم أن الله يرفع  أهله، يشُدّ أزرَ الضّعف فيهم، ويجمع القلوب على القلوب،
فأرواحُ المُحبّين جنودٌ مُجَنّدة يسقيها الله صبرًا، ويغنيها به عمّن سواه...
ستعلم أن الخسارة الحقيقة هي خسارة نفسك أو أحدٌ من أهلك في النار
"قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ"
ستجد أن صُحبتك الحقيقة هي التي تُعينك حتى تعبر بها المفاوز...
"وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ"
هااا قُلّ لي يا ذا الروح الندية، والنفس التقية كيفَ حالُ جنّة الله فيك؟ أتبدأ الليلة مع الله وُدًا! وعهدًا؟
أسرج جوادك للسفر، واحجز تذكرتك للرحلة الأبدية، وعَمِر حياتك بالطاعة والسرور، تجلس غداً أنت في" روضة يحبرون "