الشارع الرئيسي منهك بالصمت .مع بدايات الصباح الذي يحاول التخلص من ليل المدينة الثقيل ،هو ليس هادئا ،لا تفكر في الامر ببراءة ،الليل دوما يحمل معه أسرار أشباحه وكائناته ...نهض منتصر منزعجا ،أحس عطشا شديدا ،توجه إلى شرفة البيت ،الوقت ما زال مبكرا . مشى في ردهة المنزل  كهر يتهادى على حبل ،لا يريد ان يزعج احد خاصة جدته ،طيبة لكنها شديدة  إن تجرات و ناوشتها . الجدة طيطمة هي ركيزة البيت و نكهته ،يهابها الجميع و يعمل لها توتة الصبي الشقي و مدلل الاسرة الف حساب .هي تحبه و تقسو عليه مع ذلك تقبل حمايته حين يلتجئ إليها ،المرة الوحيدة التي تخلت عنه حين  ضربه منتصر وقد امسكه يدخن ،لم تجره و اغلقت باب غرفتها و لم تحمه .
- منتصر.
كان باب الغرفة مفتوحا بعض الشيئ،لقد راته الجدة ،هي لا تنام كثيرا ،تظل تقرا القرآن ،الجدة تعرف القراءة و تحفظ الكثير من الأشعار و الحكمة .
- تعال .
دخل منتصر عليها ،كانت تجلس امام النافذة .
- لا تشعل المصباح ،تعال ،إنه القمر .
اقترب منها قبل رأسها وقال:
- ماذا تفعلين امام القمر ؟
- هل ترى الله ؟
- ماذا ؟
- اجلس بني ،أجلس . اتعرف كيف مات جدك ؟
- استشهد .
- حين اوقفوه ليعدموه ،صاح فيهم : نحن لا نموت و اخد يضحك ،نحن لا نموت . ولما اطلقوا عليه الرصاص  بقي واقفا شامخا لبعض الوقت و هم مشدوهون ،خائفون .
نحن لا نموت ...