لماذا تتصرف بنزق مع عامل المطعم الأجنبي ؟ هل كانت قلة الملح في طبق الفول كافياً لتصرخ في وجهه ؟ حتى أحاط به الخجل أمام بقية الزبائن .

إذا كنت منزعجاً لأن علاقتك بزوجتك ليست بأفضل حال ، أو تمر بضائقة مالية أجبرتك على تناول الفطور في هذا المطعم الشعبي البائس .

فإن همومك التافهة لا تساوي ما يعانيه ذلك العامل المسكين ، ليس أقلها كونه صبياً لم يبلغ الحلم ، دفعته الظروف للتوقف عن دراسته ومغادرة بلده إلى الغربة طلباً للرزق وقد أحاق الجوع والعوز بأهله .

طاولة طعامك الفارهة ينقصها تفصيل صغير أفسد مذاقه حتى أظلمت الدنيا في عينيك وبالتالي " خرّب عليك يومك " ، وكأن العامل تحالف مع تلك الظروف الساذجة التي جعلتك متوتراً ومنفعلاً إلى هذا الحد .

ولكنها بالمحصلة لا تساوي جبال الهم التي تثقل كاهل ذلك العامل المسكين ، إنه في بلد نائي تفتك به الغربة ، لم يعش طفولته بشكل كاف أو عادل على الأقل ، أهله يتضورون جوعاً وفقراً ، وأمه أنهكها المرض ، وبلده في حالة حرب لا يدري أيسلم فيها إخوته من قدر الموت الذي يحيق بهم أم لا ، أخبارهم عنه مقطوعة ، الوصول إليهم مستحيل والاتصال بهم صعب في ظل هذه الظروف القاهرة ، منذ ساعات الفجر الأول وهو يلتقط أنفاسه أمام المخبز ، رب عمله يكيله بالتوبيخ ، وفي الليل عندما ينوي أخذ حاجته من الراحة والنوم تزوره كوابيس بلده المتعب ويؤرقه الحنين الممضّ إلى أهله ومرابع صباه .

ثم تأتي وأنت الآمن في سربك والمتعافي جسدك والمتخم بنعمك ، ترفع صوتك ناهراً وموبخاً لأن قليلاً من الملح التافه أفسد مزاجك .

أعرف هذا النوع من الناس ، خوّار يستقوي على المستضعفين ، يفرز شعوره بالنقص في التطاول على من يؤمن جانبه ولا يخشى من رد فعله ، لا يملك أبسط آداب اللياقة والتحضر ، وربما أبسط مواصفات الرجولة ، أسد عليه وفي ..... نعامة .

ولأن الدنيا تدور ، والأيام دول ، والحال لا يدوم ، فإني أخاف أن نؤاخذ بجريرة هذا النوع من التافهين ، وأن تغار النعم مما فعل السفهاء منا .

ولذا أحيطوا مواقف الانتقاص الذي يبديها أهل الرعونة بمواقف النبل والأدب الجم والمعاملة الطيبة ، أحسنوا إلى الضعفاء ، طيبوا خواطرهم ، بشّوا في وجوههم ، اسألوا عنهم، شاركوهم بعض اهتماماتهم ، أغدقوا عليهم العطف ولا تكسروا نفوسهم فوق ما هي فيه من الانكسار وقلة الحيلة .