د. علي بانافع
قبل الدخول في الموضوع مباشرة لابد من الكتابة عن سياسة "الهص" التي ضيعت أجيالا، الابن يدخل مع أبيه ﻷول مرة إلى المسجد فيرى ترتيب الصفوف وينبهر بها فيسأل والده: "بابا ليش وقفوا بصف واحد؟ وليش الإمام وقف لوحده متقدما الصفوف؟ الأب ومن دون أدنى تفكير: هصصص!!
الابنة تسأل أمها: "ماما ليش صلاة المغرب ثلاث ركعات؟ والعشاء أربع ركعات؟" الأم فورا وكأن الابنة كفرت بالسماوات والأرض: "هص استغفري ربك"، سؤال طبيعي ينم عن ذكاء الطفلة ومحاولتها فهم ما يجري من حولها، فهل هذه "الهص" اجابة على سؤال، أم هروب وتنصل منه ومن الواقع المعاش ومن الدين الذي لم تفهم الأم وﻻ أمها وﻻ جدتها منه شيئا سوى طقوس وشعائر تؤديها آليا وكأنها روبوت لم تفهم غاياتها يوما قط!!
وقس على ذلك كل مناحي الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية والعلمية ...الخ، ﻻ اجابات للأطفال باستثناء الـ"هص" التي انجبت اجيالا هصية، جبانة، متذبذبة، خائفة، مترددة، لا تجرؤ على السؤال في أي شيء، وبالتالي سيكون البحث خارجيا عند الآخرين، ومدراسهم وإعلامهم لغرض الفهم، وهنا يبدأ الفكر الآخر الذي لا يؤمن بسياسة "الهص" إطلاقًا بل يرحب ويجيب ويسترسل بالإجابات ويفر الديلكو للسائل، وبالتالي فان الأجيال تعيش مهزوزة ﻻ تعي من دينها ولا تربيتها ولا تعليمها شيئا ..
اليوم أثناء زيارة طلاب ثانوية ابن حزم لمعرض أرامكو تحت لافتة: [السلامة تبدأ بك] المقام بنادي أرامكو بينبع الصناعية، وهو فعالية تثقيفية توجيهية، من أجل الحفاظ على أمن وسلامة الأرواح والممتلكات في المنازل، والمدارس، والسيارات، والطرقات، والمرافق الحيوية، ما يمكنك أن تلحظه بزيارة خاطفة للمعرض هو انحسار ثقافة الهص، وظهور موجة جديدة من الاهتمامات طفت على سطح الحالة الشبابية، وهو اهتمام الشباب بالثقافة والتوعية، والأخذ والرد، والسؤال والجواب عموما، وخصوصا ثقافة الأمن والسلامة التي غزت المعرض وطغت في معظم أركانه.
انتصار يرصده المعنيون بالحالة الشبابية في بلادنا المملكة العربية السعودية، لأصحاب الهوية الأصيلة ذات التوجه المعرفي التثقيفي التوعوي، وهو في الحقيقة قراءة دقيقة للواقع، فالتغير الحاصل في الشباب لم يكن مرده سجالاً علمياً أو تربويًا قد انقدح في ميدانهم الحقيقي، بل تغييب طرف، وحلول آخر مستفيداً من فراغ حدث جبرياً، ولم يكن ثمة أي مجال لاشتباك فكري أو ثقافي أفضى إلى إعادة تبديل الأماكن بطريق الإقناع والحوار المشروع في الهواء طلق.
لأن المناخ لم يعد يسمح إلا بنمط معين من الفكر والثقافة، وهو الأخذ الرد، والسؤال والجواب، والحوار والإقناع، فالتفاهات لا تبني فكراً رائداً فاعلاً ومؤثراً في نهضة الشعوب، وانسجام المجتمع والتزامه قيمه العليا، ولا تحفز مشروعاً حضارياً. المهم أنه قد بُذلت جهود مضنية منذ سنوات قليلة كي تتسيد هذه الأنماط الثقافية الشبابية الحضارية الرائعة، الخلاصة تبا للهصية!!