مَن قال: بسمِ اللهِ الذي لا يَضرُ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمِ. ثلاثُ مراتٍ، لم تصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُصبحَ، ومَن قالها حينَ يُصبحُ ثلاثَ مراتٍ لم تُصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُمسي.

صحيح أبي داود

أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ يُعلِّمُهُم منَ الفزَعِ كلِماتٍ: أعوذُ بِكَلماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، من غَضبِهِ وشرِّ عبادِهِ، ومن هَمزاتِ الشَّياطينِ وأن يحضُرونِ

صحيح أبي داود

كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ، ويقولُ: إنَّ أَبَاكُما كانَ يُعَوِّذُ بهَا إسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شيطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ.

المصدر: صحيح البخاري

التَّعوُّذُ هو الالتجاءُ، وكلماتُ الله هي أسمائِه الحسنى، وصِفاتِه العُلى، والكتُبِ المُنزَّلةِ مِن عندِه سبحانه وتعالى، ووصفها بالتَّامَّةِ؛ لخُلوِّها عن النَّقصِ.

والهامَّةُ: هي كلُّ ما له سَمٌّ، وقيل: إنَّ الهوامَّ حشراتُ الأرضِ.

والعينُ اللامَّةُ: هي العينُ الَّتي تُلحِقُ الضَّررَ، وقد ذكَر النَّبيُّ،أنَّ إبراهيمَ كان يعوِّذُ إسحاقَ وإسماعيلَ بهذه الكلماتِ.

كيف يعمل السحر؟

انتشرت في عالمنا العربي والإسلامي أفكار وأساطير حول ظواهر خارقة: كالسحر وتأثير العين، وأصبحت فكرة الناس عن هذه الأشياء تخيفهم أكثر مما تسببه هذه الأشياء نفسها. وقد نسجوا حولها الأساطير والأعاجيب. ويجب أن نشير أنّه ليس السحر هو الذي يخيف. بل أفكار الناس عنه. فالطبيب بإمكانه معالجة المرض ولكنه لا يمكن أن يعالج فكرة المريض عن المرض،كأنْ يعتقد المريض الذي شفي من المرض تماما بأنّه لم يشفى أبدا من مرضه. هذا المثال ينطبق على السحر، فالسحر شيء وفكرة الناس عنه شيء آخر. فقد يكون السحر في الحقيقة ابسط وأضعف مما هو عليه في واقع ألحال.ولكن الناس تُضفي عليه مبالغة وتضخيم. وهذا التضخيم وهاته المبالغة هي التي أبعدت الناس عن علاج أنفسهم بسرعة باعتقادهم أنّهم تحت تأثير شيء مهول وعظيم. وهذا في الحقيقة ليس إلا وهمهم وخيالاتهم.

كما أنّ الكثير من الناس أصبح يبرر فشله بتأثير العين والسحر، وهذا الذي يجعل الإنسان يعيش في تبريرات واهية ووهمية من خلال تبرئه نفسه من الكسل والفشل. وهذا هروب عن الحقيقة وعدم القدرة على مواجهة ومصارحة الذات على البحث عن الأسباب الواقعية والذاتية لفشلها.

وليس السحر بذلك الشيء السري والمعقّد والغامض والمرعب كما يعتقد بعض الناس، فيكفي أنْ نفهم كيف يعمل السحر، ويزول عنه العجب والتهويل التي يُتصور حوله، فإذا عرفنا آليات عمله والمبدأ الذي يقوم عليه، يمكن للإنسان من معالجة نفسه دون الدخول في مشقة علاج طويلة وتهويل في الأمر. بل إنّ التهويل من أمره، وإعطائه مكانة فوق ما يستحق هو المرض ذاته.

وإذا أردنا أن نفهم عمل السحر وآليات تأثيره، علينا أنْ نفهم أنّ السحر أوّلا: ليس بحقيقة واقعية وإنّما يقوم على خداع الأعين وعلى التخويف. هذا استنباطا من قوله تعالى: "قَالَ أَلْقُواْ ۖ فلما أَلْقَوْاْ سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم وجاءوا بِسِحْرٍ عظيم (الأعراف -116)

والسحر ثانيا: يقوم على إثارة الأوهام والخيالات والهواجس في قلب وعقل الإنسان، وهذا ما يثير الخوف، فالساحر يعمل أوّلا: على خداع الأعين، ومن خلال هذا الخداع يخاف الناس، أيْ يعظمون ذلك الشيء الوهمي ويبالغون في تضخيمه. ويحرص الساحر في النهاية على تخويفك من خلال الخدع التي يقوم بها.

يعمل الساحر إذن، على إثارة الأوهام والخيالات لبعث الخوف الشديد، وهو ما يغذّي ويزيد من الوهم، وهذا هو التأثير الذي يريده الساحر من خلال سحره إثارة الأوهام. ولا يمكن الشفاء من السحر إلا إذا خرج الإنسان من دائرة الخوف، ويمكن إزالة الخوف من خلال ذلك القانون الكوني الذي جاء في سورة يونس " فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82).

فكلما خفت من السحر، زادت أوهامك حوله، وإذا زاد الوهم يزداد خوفك. ولأجل إبطال السحر لابدّ من عدم الخوف، لأنّ السحر يتغذى من خوفك، فشجاعتك تحرق جميع الأوهام التي قد يثيرها. وتتوقف تلك الأوهام إذا زال خوفك. إذن، ففي كل سحر هناك علاقة بين الخوف والوهم، فالخوف يثير الوهم، والوهم يثير الخوف.

والعلاج الفعّال للسّحر هو أنْ تفجّر نفسك فيه وتفككه من الداخل، وتنغمس فيه. أي لا تهرب وتتهرّب منه، فكلّما هربت منه، كلّما تمكن منك من خلال الوساوس التي يقذفها في قلبك. والسحر في النهاية ليس إلا تلك الوساوس والخيالات والظنون التي تأتينا. وعلاجها ليس بتجنبها والخوف منها، وإنما بتفجيرها من الداخل من خلال المواجهة، وأنْ ترمي بذاتك في داخلها مرددا ذكر: لا حول ولا قوة إلا بالله. أي تتيقن فعلا بغير شك ولا ارتياب بأنّ القوة لله وحده. صحيح أنّ اليقين لا يأتي مباشرة، دفعة واحدة. ولكن بالتكرار والمحاولة، ثم بالتكرار والمحاولة سينهزم السحر ووساوسه. وليس هناك أشد فتكا على السحر من اليقين والشجاعة. فمن خلال اليقين يتبدد الريب والشك التي يتغذى منها السحر، ومن خلال الشجاعة والمواجهة بالتوكل على الله يتفكك السحر من تلقاء نفسه

إنّ اعتقادك اليقيني الذي لا يُداخله شك في قدرتك على هزيمة الأباطيل بمعونة الله، سيبطل كل عمل سحري سرابي. لأنّه مجرّد خدع، وأباطيل. ولا تصمد الأباطيل أمام الحقيقة، فهي أشبه بالزبد والفقاعات التي تظهر ثم تختفي. {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].

فالسّحرة لا يقدمون شيئا للعالم غير الأوهام والخيالات والظنون، ولو كان السحر حقيقة لفكّروا في تغيير وضعياتهم الاجتماعية لأنفسهم ولبلدانهم. وعندما نتأمل من غيّر العالم نجد: الأنبياء والفلاسفة، والعلماء، والأبطال الذين يجابهون الواقع ويغيرونه.

خطر التوهم

إذا كان الإنسان مسحورا فعلا. فبإمكانه الشفاء عاجلا، أم آجلا. ولكن لا يمكن أنْ يشفى إذا اعتقد نفسه بأنّه مسحور. فالكثير من الناس ليس بهم شيء، ولكن باعتقادهم أنهم مسحورين، فإنّهم يغذون أوهامهم، ويفسرون كل شيء يحدث لهم، أو بالقرب منهم أنّه سحر وُضع لهم. وهذا هو التوهم، أو الوسواس القهري. فلنحذر، عندما نتوهم بأننا مسحورون، فسيطلق الدماغ أحاسيس في الجسم، تشعرك بأنّك مسحور. وهذا ليس سحر حقيقي، وإنما مجرّد أوهام.

فإنْ كنت ممن يعتقد أنّه مسحور، فأجبني على أسئلة بسيطة وهي: هل تعرف اسمك؟ هل تعرف ماذا تفعل الآن؟ هل تميز بين الخير والشر؟ هل تعرف في أي مكان أنت فيه الآن؟ هل لك الحرية في أنْ تفعل ولا تفعل؟ إذا كانت إجاباتك بنعم، فأنت غير مسحور. وأنّ ما تعتقده مجرّد أوهام. اعلم أنّ اعتقادك بأنّك مسحور هو الأخطر من السحر نفسه، لأنّ السحر يُعالج، أما الاعتقاد فهو ظن كاذب. فاستمرارك على الاعتقاد بأنّك خاضع لسحر، فأنت تعزز الأوهام لديك. فما دمت حرا تريد ما تفعل، ولست خاضع لأيّ قوة تحتِّم عليك فعل هذا، أو ترك ذاك فأنت على ما يرام.

ولكن قد تقول لي: أنّي اشعر بالكسل، والحزن، وأموري لا تسير على ما يرام. أقول لك: السحر لا يؤثر في قدرك، ولا يتحكم في الكون، وفي مصيرك. أصلح نفسك يصلح لك الحال. فلو كان يؤثر في القدر والمصير. فلماذا لا يصبح السحرة أغنياء العالم؟ ولماذا لا تصبح دول افريقية كالكاميرون، والموزمبيق التي هي معروفة بالسحر دولا غنية؟ ولماذا لا تفوز هذه الدول بكأس العالم؟ إنّ العالم تتحكم فيه قوانين خلقها الله، ومن يتبع تلك القوانين يتقدم، ويتطور. فأغلب سحرة العالم لا يستطيعون حتى الخروج من مشكلاتهم الذاتية.

الذات عندما لا تحقق طموحاتها، وأهدافها تذهب دائما إلى مبررات وهمية لكي تستند عليها في تبرير فشلها. فيقول لك أحدهم: لقد فشلت في المسابقة. لأنّ هناك سحر. ويقول آخر: ارتكبت الزنا، لأن تلك المرأة سحرتني. فالكثير من الأشياء التي نعتقدها سحرا ليست إلا رغباتنا الجنسية العميقة، وشهوات نفوسنا. والشياطين تؤيد النفس الشهوانية. ويقول آخر: تحدث لي مشاكل، لأنّ هناك سحر. الاعتقاد بأنك مسحور، هو السحر ذاته، أو هو أخطر من ذلك، وإذا كان السحر يمكن أنْ يزول بسورة الناس، وسورة الفلق. فإنّ اعتقادك بأنّك مسحور، لا يزول إلا إذا غيرت اعتقادك.

التشافي الذاتي:

صحيح أننا لا يمكن أنْ ننكر وجود السحر، وصحيح أيضا، أنّ هناك الكثير من الناس نفوسهم مريضة وشيطانية تمارس أشياء خبيثة. ولكن فلنتعلم أنْ نرقي أنفسنا بأنفسِنا. إنّ القرآن الكريم هو مِلك للجميع، وقد اختص الله ثلاثة سور لعلاج السحر: الإخلاص، والفلق، والناس. وهي السور التي نرددها بعد كل صلاة وعند النوم لإبعاد الأذى. لهذا علينا أنْ نألف مواجهة الشر الموجود في هذا العالم، ولا يجب أنْ نرفضه، صحيح أننا لا نتقبله ولا نريده.ولكن هكذا هو العالم بواقعيته ولسنا نسكن في الجنة حيث تخلو من شياطين الإنس والجن.

إنّ رقية الإنسان لنفسه هي اقتداء بالنبي،كما تبعده عن دوامة لا خروج منها من حيث تنقله من راقي إلى راقي، ومن موقع إلى موقع آخر، ومن كتاب علاجي إلى كتاب. وهذا ما يزيد في تعقيد مشكلته. فآية الكرسي، والمعوذات هي ملك للجميع، والأذكار الصحيحة الواردة عن النبي هي أيضا ملك للجميع، وكل واحد له الحق في استعمالها في الشفاء. و أوّل خطوة في علاج السحر، هو رقية الإنسان لنفسه، لأنّه هو الذي أدرى وأعلم بحالها، وثاني خطوة: عدم تتبع المواقع، والكتب، والشيوخ التي يقول كل واحد منها شيئا مختلفا عن موضوع واحد. وهذا ما يدخل الإنسان في دوّامة وأزمة نفسية لا خروج منها إلا بالخروج من هذه الآراء المتضاربة والمتناقضة، والاكتفاء فقط بعلاج ورقية الذات بتلك الأذكار الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إنّ الساحر يتبع الباطل، وهو يعلم يقينا في باطنه، أنّه على طريق الضلال، ويعلم أيضا، أنّ سحره الذي يمارسه مجرّد أوهام وخيالات تسحر أعين وقلوب الناس ويعلم "مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) يونس. الساحر مفسد، والله لا ينصر ولا يوفق عمل المفسدين. لهذا فإنّ خوفك من سحر الساحر، وعدم استحضارك لعظمة الله وقوته وجبروته، ستمنح للساحر سلطة عليك. فالتحرر من الخوف هو الذي يفتح باب الانتصار، وينتهي بك الأمر إلى العلاج، حيث ستعيش حياة مطمئنة وهادئة ومفرحة. فالحياة الخالية من الخوف هي الحياة التي يجب أنْ تعاش.

نحن مصدر الشرور:

إنّ وجود الإنسان في هذه الحياة يحتاج إلى التيقن بوجود قوّة تحميه من كل الأخطار، لأنّ الشعور بالأمن والطمأنينة هو الذي يولّد في الإنسان مشاعر البهجة بالحياة، ويدفعه بالتنعم بتفاصيلها. وهذا الشعور بالأمان يؤدي به إلى أداء أعماله على أحسن وجه، فإذا غاب الأمن والسّكينة من وجدان الإنسان لم يعد للحياة أيّ معنى ولا ذوق. فما فائدة ما تملكه من أموال وقصور وأنت مرتبِك داخليا، تخاف من عدو قد يأتيك في أيّ لحظة؟

الشعور بعدم الأمان يُذهب معنى الحياة الحقيقي، لهذا يحتاج الإنسان إلى قوّة عليا تحميه وهي قوة الله، فإليه يستكين الإنسان، إذْ كلما كان سياج الحماية متينا وموثوقا فيه، كلما كان الإنسان أأْمنْ وسائر إلى تحقيق ممكناته الوجودية وأهدافه على أكمل وجه.

لكن، الشرط الأوّل لتحقيق الأمن في حياتنا هو أنْ نتوقّى الوقوع في الشّر والفتن بمحض إرادتنا، فالشر لا يأتي إلينا إذا لم نذهب إليه، فإذا زرعت الشر، ستحصد الشر. فلا تتوقع مثلا: إذا شتمت فلان، سوف يرد عليك: بكلام طيب. ولا تتوقع أيضا، إذا عاكست امرأة متزوجة، ستقول لك، كلاما عسليا. فلنحذر من أفعالنا وأقوالنا حتى لا تكون نتائجها علينا مصدر قلق.

الشخص الذي يظلم الناس، ويأخذ حقوقهم، والذي يعتدي على زوجة جاره، أو يتحرّش بفتاة تسير في الشارع، أو يسرق مالا من البنك، فهذه الأفعال ستكون عواقبها معروفة، إمّا دخول السجن، أو بالثأر من منه بأي طريقة من الطرق.

وأتذكّر جيدا، أنّ أغلب الشرور التي وقعت فيها أنا شخصيا، كانت مما كسبت يداي، سواء من حيث اختياري لأصدقاء غير مناسبين، أو من خلال الكلام الذي كنت ألقيه و أقوله لغيري بغير تروِّي، أو من حيث طريقة تعاملي مع الآخرين. فعندما أشعر بالألم، فأعرف أني أنا المسؤول المباشر عن ذلك. فإذا ما راجع المرء ماضيه، وتصفح تاريخ المصائب، والشرور التي وقع فيها، والألآم التي عاناها، لوجدها أنّها كانت مما كسبت يداه، وكانت من نتاج تفكيره وفعله، ولم يكن أحدا مسؤولا عنها غيره. أمّا الشرور العامة التي هي من طبيعة الحياة: كموت أحد أقاربنا، أو معاناتنا من كوارث طبيعية أو حادث مرور غير مقصود تسبب لنا في ضرر، فهي شرور عامة تمثل نسبة ضئيلة بالمقارنة مع الشرور التي نعملها بأيدينا.

إنّ إرادتنا وحدها هي التي تكسب الشر وترتكبه، ونحن من يعاني من ويلاته. لا شك، أنّ هناك الكثير من الأفعال التي يجب علينا أنْ نتجنّبها، لكيلا تكون علينا وبالا وهمّا، ولكيلا تكون مصدر خوف نجنيه على أنفسنا. فكم من خوف سنتجنّبه بمجرّد الابتعاد عن الأفعال القبيحة. إذْ يقول النبي عليه السلام:"إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحرّ الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه"صحيح الجامع (2328). وهذا يعني، أنّ الشر ليس مكتوبا بل بإمكاننا اجتنابه بقول النبي: "ومن يتق الشر يوقه".

أسلوب الكلام

الكثير من الناس قد يكون أسلوبهم في الكلام هو الذي يجلب لهم أصدقاء أو أعداء، فعندما يحكي المرء عن نجاحاته أمام الزملاء بأسلوب مثير للغيرة وللحسد كقوله: اجتزت المسابقة ونجحت فيها بجدارة، نجحت في البكالوريا بقوة ومن خلال تصميمي، أو تقول:أنا واثق من نفسي أنّي سوف أنجح في الدراسات العليا، أو اشتريت سيارة بأموالي. هذه الطريقة في الكلام وهذا الأسلوب في التعبير سيخلق للمرء أعداء وحساد كثر قد يتعرّض لأذاهم كثيرا.

لكن المرء لابد من تغيير طريقته في الكلام إذا ما تكلم عن نعم الله عليّه .فيقول مثلا: من فضل الله عليّ أني نجحت، أو بفضل الله، ونعمته قد توظّفت. هكذا من خلال هذه الطريقة في الكلام، أكاد أجزم أنّ لا أحد سيتعرّض للحسد، أو للأذى من أيّ أحد، إلا قليلا جدا. فالمستمع عندما يسمعك، وأنت تتحدث عن نعمك، بأنّها من فضل الله. لا يمكن أنْ يتمادى في الحسد. لأنّك ذكّرته أنّ الله هو سبب نعمتك، لأنّه هو الوهاب الرزاق. أمّا إذا تحدثت بالضمير: أنا وأنا، وابتعدت عن إلحاق هذه النعم بالله ونسبتها إلى قوّتك وذكائك، فإنّ الحاسد يغتاظ وتثير لديه الشعور بالدونية والنقص وتُذكّره بالفشل. وهو بهذا تدفعه ليتمنّى زوال هذه النعم عليك.

فلا تقل: اشتريت سيارة رائعة بعد سنوات من الادخار، بل قل: وفقني الله بفضله إلى شرائها، ولا تقل أيضا: كنت جديرا بالفوز، بل قل: من فضل الله تعالى أنّي فزت. فمن خلال طريقة كلامنا يمكن أنْ نتجنب الحسّاد، والكثير من المشاكل التي يمكن أنْ تصدر منهم.

ومهما يكن فهناك حسّاد وأعداء لا تراهم، ولا تستطيع تمييزهم، فإذا كنت ناجحا في حياتك، سيكثر أصدقاؤك. ولا شك أنّ منهم حسده، وأعداء يمكرون لإيقاعك في الخطأ، أو السقوط. لهذا علينا أنْ نأخذ الحذر اللازم منهم، والتحوّط من مكرهم. ولكن لا يعني هذا الانشغال بهم والتفكير فيهم وفي مكرهم. لأنك بهذا قد نجحوا في تنغيص حياتك. بل علينا أنْ نتوّكل على الله ونقول حسبنا الله ونعم الوكيل. فالانتصار على حاسدك، وعدوك يكون من خلال عدم الانشغال بالتفكير فيه وعدم الاشتباك معه على مستوى الذهن والتفكير.

ولا يمكن معرفة الأصدقاء إلا عندما تنجح وعندما تسقط، فالصديق الحقيقي يفرح بنجاحك ويواسيك عند فشلك، وهذا هو الصديق الحقيقي. ولكن عندما تنجح يكثر الأصدقاء المزيفون والمدّاحون، والذين يمارسون معنا لباقة زائدة.

وفي سقوط إنسان يكثر الشامتون والمتفرّجون وعندما تتحقق في الأمر تجد أنّ هؤلاء ليسوا إلا أصدقاؤه القدامى الذين كانوا من المزيفين والمدّاحين، والحسدة. لكن ليس بصديقك الذي يفرح بسقوطك وبانتهاء أيامك.

كلمات الله التامات

من أجل علاج الإنسان من الأمراض المختلفة، هناك مجال لعمل العلم الطبيعي ويعتبر الطب يعتبر كأحد فروعه، وهناك مجال لعمل الإيمان والعقيدة، فمجال الطب العلمي هو علاج الجسم من علله، وأمراضه. ويستخدم في ذلك الأجهزة المختلفة: كأجهزة الكشف المبكر، والمجهر، والسكانير، ويستخدم أدوية، وعقاقير، وحقن. أمّا مجال الإيمان فهو الآخر يقدّم أدوية، وأذكار معينة، ومخصوصة لمعالجة الروح الإنسانية من أمراضها.

يمكن أنْ تصيب الجسم الإنساني، فيروسات، وميكروبات تقضي على مناعة الجسد، ويصبح الجسم بسبب ذلك في تعب ويفقد توازنه، ويفقد نشاطه العادي. إذْ تصبح أجهزة الجسم، وأعضاؤه لا تقوم بدورها العادي، والطبيعي. فإذا أصاب فيروس جهاز التنفس، يكون هناك مشاكل في تنفس الإنسان، فإذا تمكّن الفيروس من الرئتين، فقد يصاب المريض بالاختناق، والموت في النهاية، وإذا أصاب الجهاز الهضمي جرثوما، يكون هناك عسرا في الهضم، وستكون أعراض تصاحبه: كالتقيؤ، والاسهال، وصفرة الوجه. وعلى الطبيب أنْ يقدّم تشخيصا دقيقا لهذه الأمراض من أجل يقدِّم مضادات حيوية وأدوية مناسبة للقضاء على هذه الفيروسات، وإعادة إرجاع عمل أجهزة الجسم لعملها الطبيعي.

أمّا مرض الروح، فلا يمكن أنْ يعالجها الطب التجريبي، لأنّه لا يستطيع أنْ يكشف عن أشياء غير مرئية.بل تترك للإيمان لكي يعالجها. ولكل داء ومرض يشعر به الإنسان في داخل نفسه هناك ذكر خاص به:

فالخوف من الوقوع في الشرور والمكائد يلزمه ذكر: "بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"

-الخوف من أعداء الإنس والجن، التعوذ ب «أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شرّ عباده ومن همزات الشياطين ومن أنْ يحضرون". أما الخوف من أذى حسد الحاسدين، فالتعوذ ب "أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شيطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّة"

والتطهر من كل الشرور، فمن خلال: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ.

إنّ الله هو الضامن لسكينة الإنسان، لأنّه قوي. ونحن نعلم أنّ الإنسان لا يستكين في ثقة تامّة وعلى نحو كامل إلا للقويِّ حقيقة، الذي يعلم السر والعلن. فكلمات الله التامّات التي يقوم عليها الكون تحمي المُؤمن بها حقا من: القوى الخفية والظاهرة.