- سُئِلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الأعْمَالِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قَالَ: أدْوَمُهَا وإنْ قَلَّ وقَالَ: اكْلَفُوا مِنَ الأعْمَالِ ما تُطِيقُونَ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 6465 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
ارهاق الذات منذ البداية:
الكثير من الناس عندما يشعرون بأنهم بصحة جيدة وأنهم يستطيعون فعل كل شيء بمجرّد فقط أنهم يشعرون بذلك، تراهم يبذلون كل جهدهم في ذلك العمل ، إنهم يسكبون كامل قوتهم في ذلك الفعل وفي ذلك العمل. وبعد مدة من العمل وبعد مرور أيام يشعرون بأنّ قواهم قد استنفذت وأن جهودهم قد أصبحت غير قادرة على المواصلة بنفس الوتيرة وبنفس الريتم.
في البداية شعروا بأنهم قادرين على تسلّق الجبال وخرق الارض فأفرغوا جهودهم منذ البداية ولم يحسبوا حسابهم للزمان الآتي، وذلك لأنهم اتبعوا شعورهم الوهمي بالقوة ، لقد نفذت قواهم وطاقتهم في منتصف الطريق. وكان من اللازم أن يتم توزيع جهود الذات قبل أن يتم تفريغها دفعة واحدة، وهكذا فإنّ الانسان الذي لا يقرأ مقدار جهوده ومقدار ما يكلفه العمل من جهد وتعب، فإنّه قد يرهق ذاته قبل أن يصل الى منتصف الطريق ولن يصل الى النهاية ابدا.
توزيع قدرات وجهود الذات عبر زمان مستمر
لقد :سُئِلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الأعْمَالِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قَالَ: أدْوَمُهَا وإنْ قَلَّ وقَالَ: اكْلَفُوا مِنَ الأعْمَالِ ما تُطِيقُونَ.
يمكننا أن نفهم هذا الحديث على نحو واسع وتطبيقه على مختلف مجالات الحياة، يتعلق الأمر القيام بعمل قليل يكون دائما ومستمرا ولا يكلف جهدا كبيرا من الانسان بعبارة أخرى: المدوامة على عمل قليل بحسب قدرة الانسان أفضل من إفراغ كل الجهد لدى الانسان دفعة واحدة. الشيء الذي لا يسمح بإكمال العمل في النهاية والذي من نتائجه الفشل الذريع.
فالكثير منا عندما يشعر بذلك الشعور الوهمي بأنه قادر على أداء العبادات بكثرة فإننا نجده في البداية يكثر من النوافل ويقيم صلاة الليل حتى يجهد نفسه، ولكن عندما يستنفذ قواه وعندما يعتريه الملل قد يتوقف حتى على أداء صلاة الفريضة بأركانها وشروطها الصحيحة، والبعض يصوم ايام متواصلة وشهور ثم يتوقف عن الصيام.
وكذلك الامر بالنسبة إلى العمل اليومي والحياتي والمهني، فالشعور الوهمي بأنك قادر على أداء الامر على نحو كامل ومطلق ومتواصل سيرهقك في النهاية بأن يجعلك تفرغك امكانياتك الموجودةلديك دفعة واحدة ، والمطلوب هو توزيع إمكانيات الذات وقدراتها وممكناتها على زمن مستمر دائم ممتد نحو المستقبل ، لهذا عندما سُئِلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الأعْمَالِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قَالَ: أدْوَمُهَا وإنْ قَلَّ وقَالَ: اكْلَفُوا مِنَ الأعْمَالِ ما تُطِيقُونَ.
فأن أصلي ركعتين نافلة في اليوم الواحد ويدوم ذلك كل عمري خير من أصلي مئة ركعة من أيام عام واحد ثم اتوقف على نحو نهائي.
أن أقرأ صفحة واحدة من القرآن في كل يوم طيلة حياتي خير من أختم القرآن في ثلاثة ايام من أيام سنة واحدة ثم اتوقف على قراءة القرآن على نحو نهائي.
أن أقول سبحان والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة الا بالله عشر مرات في كل يوم طيلة حياتي على أن أقول ذلك الذكر مئات المرات في ايام ثم اتوقف.
أن اركض ساعة في اليوم طيلة حياتي على أن أجرى خمس ساعات في اليوم طيلة شهر ثم اتوقف.
ليست العبرة بكثرة الانجاز في البداية وكثرة النتائج بقدر ما هو متعلق بتوزيع جهد الذات على سنواتي واعوامي القادمة. فالنجاح قائم على الاستمرارية وليس على الانقطاع.