عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " يا عائشةُ! إنَّ اللهَ رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العنفِ، وما لا يُعطِي على ما سواه»
(رواه مسلم؛ رقم: 2593)
ورد عن النبي عليه السلام أنه قال: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمْرِ كُلِّهِ»
(رواه البخاري؛ رقم:6395)
أحسن وسيلة لحل المشكلات هو توقِّي الوقوع فيها:
من أهم الطرق الموصلة إلى الحياة الهنيئة والسعيدة هو طريق ممارسة ِّالرّفق في جميع شؤون الحياة. إذ قد وردت أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن إذ يقول في حديث: " إذا أراد الله عز وجل، بأهل بيت خيرا، أدخل عليهم الرِّفْق" (صحيح الجامع 303) وفي حديث آخر عن النبي " أنّه قال لِعائشة" ارفُقِي، فإنّ الرِّفق لم يكُن في شيء، إلا زانهُ. ولا نُزعِ من شيء قطْ، إلاّ شانه «رواه مسلم 2594، والرِّفق يكون مع النفس أوّلا. فالكثير من النّاس يقسُون على أنفسهم بمجرد فشلهم في الحصول على وظيفة أو خسارتهم في مشروع اقتصادي معين. نرى مثل هؤلاء النّاس لا يتوقفون على لوْم أنفسهم والقسوة عليها. بل نجد البعض منهم عندما لا يرتبطون بالشخص الذي تمنّوْه كشريك في الحياة، وإلا ويعيشون في حالة نفسية مضطربة مِلؤها الحزن والكآبة القاسية التي تجعلهم بعيدين كل البعد عن الناس وكأن الحياة قد انتهت عند هذا الشخص، ولا يتصورون أنّ الأرض مليئة بأمثال من فقدوه بل وأحسن منه.
من معاني الرفق: الليونة واللطافة (من لسان العرب). فهو يبتدئ بالطريقة التي نفكر بها مع أنفسنا، وفي اختيارنا لطبيعة الأفكار التي تدور في أذهاننا، ومدى صحة ما نفكّر فيه. فهناك من يُمارس على نفسه جلدا من خلال الأحكام القاسية التي يطلقها على نفسه. ولا شكّ أنّ فقدان الثقة في النفس والتقليل من أهميتها والتهديم المجاني للذات من خلال الأفكار التي نضمرها في أنفسنا ستنعكس علينا: على مستوى سلوكنا، وعلى مستوى تعاملنا مع الآخرين.
إنّ الرفق في التعامل مع النفس لا يعطينا إلّا نفسا هادئة ومطمئنة ومستبشرة. والرفق في أحد معانيه: ممارسة التسامح مع الذات وعدم تحميلها ما لا تطيق أو تحميلها مسؤوليات ليست قادرة على تحملها. ومن لا يتسامح مع ذاته لا يمكن أن يتسامح مع غيره، ومن لا يرفق على ذاته لا يمكن أنْ يكون رفيقا بغيره. ثم يأتي الرفق مع الأهل فالكثير مِن الناس منْ يحسن جيّدا التعامل مع الآخرين ومع الغرباء. وهو في بيته أبعد ما يكون من الإنسان الهادئ والمتّزن. نجده يُكسر الصحون والمائدة، ويصرخ في وجوه أفراد عائلته. في المقابل، نراه مع أصدقائه كالحمل الودود الذي يتكلم بصوت منخفض وهادئ. بل ولا تكاد تسمع صوته ويبادلهم الهدايا والابتسامات والورود. أما في بيته، فحضوره ثورة عليهم ونار تتقد على لسانه تجرحهم.
الرِّفق في تعاملنا مع أنفسنا أساس التعامل مع الآخرين:
والأولى، أنّ يكون الرفق مع أهل البيت أولا، ثم يأتي الرفق في داخل العالم ثانيا. فليس مناسبا ولا منطقيا أنْ تخرّب بيتك وتريد أنْ تبني بيوت الناس. والمعادلة الصحيحة: هي أنّ الرّفق مع النفس يولّد رفقا مع أهل البيت: مع الأخ، والأخت، والوالد، والام، والزوجة، ثم ينتقل إلى خارج البيت مع الأصدقاء والزملاء. تخيل كم من المشكلات التي سنتجنبها بمجرد ممارستنا للرفق مع أهلنا في البيت. وكم من المآسي النفسية والأزمات التي يمكن أنْ نتخطاها بمجرد أنْ نرفق مع كل أفراد عائلتنا. فإذا ما حققنا الرفق مع أنفسنا، ومع أهلنا في البيت ستكون لدينا أنفس مطمئنة واثقة. وهذا مع يجعل لنا قدرة على التعامل الجيد مع الآخرين. فالرفق مع الآخرين معناه: تجنب الإساءة للآخرين. سواء، عبر اللفظ أو بالمعاملة السيّئة أو بالنظرة أو بالاحتقار. ولا يجب أنْ ننسى أنّ الرفق هو فن يصدر من ذات تعوّدت وتمرّست على الرفق بالقول وبالسلوك الحسن الذي لا يؤدّي إلى الشجار مع الآخرين والاشتباك معهم، بل يؤدي إلى استمالتهم. ومن نتائج الرفق الإيجابية، تجنّب المشكلات ومصالحة الإنسان مع نفسه، ومع محيطة. فيخلق له نجاح باهر في علاقاته الاجتماعية والعائلية وتوازنا نفسيا.
الرفق وقاية من الوقوع في المشكلات:
الكثير من الناس يعتقد أنّ ممارسة العنف مع الآخرين. سواء كان هذا العنف لفظي أو سلوكي سيُكسِبه الهبة والاحترام، وهذا تصور خاطئ ذلك أنّ العنف لا يجلب غير العنف واللفظ السيئ لا يجلب إلا مثيله. وإنْ كان بعض الناس لا يستطيعون رد العنف بالمثل لخوفهم منك بسبب مكانتك أو منصبك، فإنّهم سيكنّون لك الكراهية والاحتقار في دواخلهم وفيما بينهم. والإنسان ليس آلة لكي يستطيع تحمل ذلك العنف والفظاظة التي نمارسها معه. بل سيرد ذلك العنف: إمّا بعنف مرئي ومسموع. وإمّا بعنف باطني من خلال الكراهية التي يكنُّها لنا.
والكثير من المشكلات: الزوجية والاجتماعية وفي المؤسسات المهنية تعود إلى القسوة التي يمارسها بعضنا على بعض، وبذلك تختل العلاقات الاجتماعية والأسرية والمهنية، ويظهر ما يسمى بالصراع الذي لا يؤدي إلى تقدم الأشياء، بل إلى تراجعها، ويزيد من تعميق الخلافات بين البشر. إنّ ممارسة الرفق مع الناس هو وسيلة لكسبهم، فالرفق هو الذي يُعلِّم الطفل الصغير الذي أخطأ، والعامل الذي تهاون. والرفق يُرجع الشريك إلى صوابه، ويعيد مرتكب الكبيرة إلى رشده، وصلاحه. فكم هي عديدة تلك المشكلات التي يمكن أنْ نتجنبها إذا مارسنا الليونة واللطف مع من حولنا ونتجنب بذلك الكثير من المشاحنات والشجارات والصراعات التي تستنفذ قوانا.
خلاصات:
الرفق هو أن تحسن التصرف بلطافة مع طفلك الذي أخطأ، لأنّه بذلك سيتعلم وهو يحافظ على ثقته بنفسه. وتعاملك برفق مع زملائك في العمل حين يخطئون سينبِّهُهُم مرة أخرى، لكي لا يقعوا في الخطأ مجددا. وإن رفقت في تعاملاتك كلها ابتعدت بعد المشرق عن المغرب عن مشكلات الحياة التي تتولد من خلال الصراعات والمشاحنات.
والرّفق مع النفس أنْ لا يدمر المرء نفسه بمجرّد الفشل في مشروع ما أو حين لا يصل إلى هدف من أهدافه، أو حين يتعرّض لخيانة ما، أو عندما يُخطئ. ذلك أنّه عندما تقسو على نفسك، الخاسر فيها هو أنت والمتضرِّر فيها هو أنت أيضا. والمطلوب هو كيف تنجو بذاتك من الهزيمة؟ وكيف تنجو من الغرق؟ وكيف تصلح الخطأ كما لو لم يكن؟ فالرهان متوقف عليك وهو كيف تتم انقاذ نفسك والحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه؟. فمن المعاني العميقة للرفق: هو ذلك التعامل اللطيف والمرن مع ذات جريحة لإنقاذها من الخيبة والصدمة والفشل والانتقال بها نحو الأمام إلى المستقبل، بينما القسوة والعنف على النفس سيولّد ذاتا محطّمة مهترئة.
الرفق هو استراتيجية للإنسان في التعليم والتسيير والسياسية. فالمعلِّم إذا لم يكن رفيقا بالتلاميذ في تعليمهم والتجاوز عن بعض أخطائهم وهفواتهم، سيفشل في التعليم. ولن يكون معلما ناجحا. فالتلميذ يتعلم بواسطة الرفق ويستوعب من خلاله ولا يستوعب بالعنف. ومسيّر المؤسسة إذا مارس الرفق واللطف مع عماله سيكون له أثر في زيادة المردودية والإنتاجية في شركته. وسيزيد من تقوية علاقاته الطيبة بالعمال. وإذا أحب العمال المسيّر سيعملون من منطلق ضميرهم. والسياسي يمكن أنْ يستميل شعبه بالرفق فإذا مارس العنف فلا يلاقي إلا العنف والثورة.