• بقلم الحاجي محمد

  • إني الآن، حامل على كتفي حقيبة فيها معونتي وقلمي، قاصد الأعالي لأبحث عن زارا في مرتفعات الجبال الشاهقة، لأن زارا لا يوجد الا في الأعالي. أتريدون مرافقتي؟ لا، أعتذر يا أصدقائي، فزارا لا يحب الضيوف، إنه يحب السكينة والهدوء، بعيدا عن كل ما يتعلق بالنفوس التي لا تعيش إلا في الحفر. والآن دعوني من فضلكم فالطريق أمامي لا زالت بعيدة، وشغفي لملاقاته أشعر به يغمرني، فقد مضى عام على اخر لقاء لي به.

  • إنه اليوم الرابع على رحلتي، لكن لابأس لقد وصلت في الأخير الى كوخ زارا. أتمنى أن يكون قد شعر بمجيئي.

  • _ من هناك؟ إني أشعر برائحة لم تعتد عليها أنافي في هذه الشواهق. قال زارا.

  • _فأجبته: إنني أنا يا زارا، زائرك السنوي، ألم تتذكرني؟

  •  _ ما الذي جاء بك إلى هذه الاعالي قاطعا كل هذه المسافة حتى قمة الجبال؟

  •  _ إنه جهلي يا زارا، هو الذي قادني إليك متصلقا كل هذه الشواهق. إنني يا زارا بلغت من العمر ما يكفي، وأريد الآن أن تكون لي زيجة تعيش معي الدهر بكل عناصره. وأنت يا زارا قد بلغت من الحكمة ما يكفي في كل أمور البشر، فحدثني عن الزواج من فضلك، إنني أجهل تعاليمه وسبله، وأخاف أن أدخله بجهالة، لذلك قصدتك يا زارا. أريدك أن تعلمني كيف أخوضه، وأعيش فيه مع شريكتي الفرح والسعادة.

_"لي سؤال أخصك به لأسبر أعماق روحك يا أخي:


أنت في مقتبل العمر وتتمنى أن تكون لك زوجة وولد، ولكن قل لي هل أنت هو الرجل الذي يحق له هذا التمني؟ أأنت الظافر المنتصر على نفسه، الحاكم على حواسه، السائد على فضائله؟ أم أن تمنيك هذا ليس إلا شهوة حيوان أو خشية منفرد أو اضطراب من قام النزاع بينه وبين نفسه؟


_ إنني يا زارا...


_ ششش...دعني أكمل..


إن ما أريده منك هو أن تصل بانتصارك وحريتك إلى التجدد بالولد. إذ عليك أن تُوجِد طفلا يكون مستواه ما فوق مستواك. وهل بوسعك أن تفعل هذا إذا لم تكن متين البنية من رأسك إلى أخمص قدميك؟


   _ إن الزواج بالنسبة إلي يا زارا هو  أن يرسل الفرد سلالته إلى الأمام، أن يكون ولده عطاء للإنسانية جمعاء، ولا داعي لأن تكون علته ناقصة ما دام المعلول قادر على جعل هذه الإنسانية تستمر في البقاء.


_ ليس عليك أن ترسل سلالتك إلى الأمام فحسب، بل عليك بخاصة أن ترفعها الى ما فوق. فل يكن عملك في حقل الزواج مُنْصباً إلى هذه الغاية.


   عليك أن تُوجِدَ جسداً -  طفل-  يكون جوهره أنقى من جوهر جسدك ليكون حركة أولى وعجلة تدور لنفسها على محورها، فواجبك إذا إنما هو إبداع من يبدع.

_ كيف يحقق الرجل بمعية زوجته هذه الغاية يا زارا؟ كيف يجب أن يكون هذا الزواج؟ وعلى أي أساس يجب أن ينبني؟


  _ ما الزواج في عرفي إلا اتحاد إرادتين لإيجاد فرد يفوق من كان علة وجوده.  فالزواج حرمة متبادلة ترسو على احترام هذه الإرادة.


  ليكن هذا معنى زواجك و حقيقته، أما ما يسمونه الدخلاء الاغبياء زواجاً فأمر أحار في تعريفه، فما هو إلا مسكنة روحية يتقاسمها اثنان، ودنس يتمرغ فيه اثنان؟ ولذة بائسة تتحكم في اثنين. ولكن الدخلاء يرون في مثل هذا الزواج رباطاً عقدته السماء...

_ حدثني عن الحب في إطار الزواج يا زارا.


إن في كأس كل حب إطلاقاً، وحتى في كأس أرقى حب، مرارة لابد لكم من تجرعها، وهذه المرارة هي التي تنبه فيكم الشوق إلى الإنسان المتفوق وتلهب فيكم الظمأ إليه، أيها المبدعون. إذا كان هذا الظمأ هو الذي يدفع بك إلى طلب الزواج يا أخي، وإذا كنت تشعر بشوقك يندفع كالسهم نحو الإنسان المتفوق، فإنني أقدس إرادتك وأقدس زواجك.


   هكذا تكلم زارا..."




[i]زارا أو زرادشت هو شخصية متخيلة وظفها فريدريكنيتشه في كتابه الشهير المعنون ب هكذا تكلم زرادتش. AINSI PARLAIT ZARATHOUSTRA.و رأي زارا في الزواج مأخوذ من نفس الكتاب، الشذرة ذات عنوان الطفل و الزواج. صفحة 104. ترجمة علي مصباح، دار الجمل.