انما كتبت هذه المقالة وانا لست بصدد الدفاع عن السيد نوري المالكي او غيره من الساسة , ولا من أجل الهجوم على الكاتب سمير عبيد وتسقيطه ؛ بل كتبت هذا الرد لئلا تندثر الحقائق ويتلاشى الارشيف التاريخي الرهيب للبعث المجرم , وكي لا تنسى الاجيال العراقية ما مر بأجدادهم واباءهم وذويهم .
وقد نهج الكثير من الكتاب على منوال نهج الكاتب سمير عبيد في التعاطي مع الامور والاحداث والقضايا الراهنة , فالبعض يحاول تبييض صفحة البعث او اسدال الستار على جرائمه المعروفة ومجازره الشهيرة , او التهوين من خطورة البعثيين والاستهانة بقدراتهم وارتباطاتهم الاقليمية والدولية ؛ فضلا عن قواعدهم وحواضنهم المحلية ... ؛ بغضا بالتجربة الديمقراطية والعملية السياسية الجديدة , وحقدا على الاغلبية العراقية , وحسدا منهم للساسة والقادة الحاليين ؛ وهذا لا يعني ان هؤلاء الساسة والقادة كلهم وبلا استثناء ناجحون او وطنيون او نزهاء وشرفاء محترمون ؛ وكذلك لا يعني ان كل من ينتقدهم يدخل ضمن دوائر الطائفية الحاقدة والبعثية الخسيسة والعمالة للأجنبي ؛ بقدر ما يكشف لنا حقيقة البعض ويبين نواياهم ودوافعهم الحقيقية للكتابة بهذا النحو المزيف , والذي يهدف الى خلط الاوراق وتشويش الرؤية وتغييب الحقيقة ؛ اذ كان المفروض بهم قول الحق وتحري الصدق وبغض النظر عن موقفهم من الحكومات العراقية او الشخصيات السياسية ؛ وحذر كتاب القران الكريم من هذه الظاهرة السلبية : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا )) فمعاصرة السيء لا تدعونا للترحم على الاسوء او غض الطرف عن اتباعه .
وبما ان مقالة الكاتب سمير عبيد جاءت على شكل نقاط متتالية ؛ سيكون ردي عليها بنفس الصيغة ؛ ومما جاء النقطة الاولى : ان مئات الملايين مصدمون ومندهشون من خوف ورعب الجهات والاحزاب السياسية من البعث والبعثية بل ويرددون كلام المعارضة العراقية السابقة ؛ وللإجابة عن هذه النقطة ؛ اقول : قد بالغ الكاتب كعادته ؛ العراقيون انفسهم لا يهتمون , اذ هنالك نسبة كبيرة منهم لا يأبهون بالخطر الداعشي فضلا عن البعثي , فهم مشغولون بمسؤولياتهم واعمالهم واشغالهم اليومية ؛ فان كان العراقيون هذا حالهم ؛ فهل يعقل ان يهتم مئات الملايين من الهنود او الروس او الامريكان او غيرهم بالشأن العراقي الداخلي فضلا عن تتبع اخبار البعث ؛ فالرقم مبالغ به , كما ان هنالك فرق بين خطاب الساسة حاليا وعندما كانوا في المعارضة ؛ ففي المعارضة كانوا يحشدون احرار الشعب ويحثون الجهات الدولية للإطاحة بالبعث وليس خوفا منه ؛ كما انهم اليوم يحذرون من تحركاته المشبوهة وهذا الامر لا يعني انهم مرعبون او خائفون منه ؛ فلا وجه للربط بتاتا .
وفي النقطة الثانية قال : ((كيف يحترم المواطن العراقي هكذا سياسيين وهكذا طبقة سياسية خائفة وترتجف من البعثيين الذي أصغر بعثي الآن عمره ٦٥ سنة ؟ وكيف يأتمن المواطن العراقي على العراق الذي تحكمه هكذا قيادات سياسية مرعوبة من حزب البعث وهي في الحكم منذ ٢١ سنة ؟ اذن أين جيشهم وشرطتهم ومؤسساتهم الامنية العامة والخاصة؟ واين مليشياتهم العلنية والسرية؟ واين حماياتهم وعشائرهم المسلحة ودويلاتهم المغلقة ؟ واين عنترياتهم وشعاراتهم وتحدياتهم ؟ )) قد اجبنا سابقا , بأنه لا خوف في البين , انما هو اشتباه وقع فيه الكاتب سمير عبيد , وخلط بين التحذير والاستعداد لمواجهة التحديات وبين الخوف والانهزام امام العدو البعثي الغادر , وهل كبار السن من البعثية واركان النظام البائد , كانوا حمامات سلام , الم يرتكبوا ابشع الجرائم على الرغم من انهم بلغوا من العمرعتيا ؟ وهؤلاء البعثيون لهم اولاد واحفاد واصدقاء وحواضن لا زالوا ينفثون سمومهم فيهم وفيها ... ؛ واما بخصوص المواطن العراقي فهو يعلم علم اليقين ان العراق ومنذ العام 1920 امره بيد الاستكبار والاستعمار كباقي الدول العربية , فضلا عن المواطن العراقي شجاع وليس جبانا او رعديدا , ولديه استعداد بالتضحية بالغالي والنفيس من اجل الوطن , واما بخصوص الجيش والحشد والقوات الامنية والعشائر العراقية فهم ابناء الوطن وسوره العالي وليسوا اتباعا لجهة سياسية او محسوبين على فئة او شخصية كما تتدعي ؛ نعم قد تلتقي مصالح واهداف العراقيين الاصلاء مع هذه الجهة السياسية او تلك , كما فعل البعض في العهود البائدة , اذ كانوا يبذلون الارواح من اجل النظام الدموي البعثي بل ولا زال الكثير منهم يترحم على صدام و زبانيته ويدافع عن نهجه الاجرامي وخطه الطائفي وفكره المنكوس ؛ فلا تستكثر على ابناء جلدتك ما تبيحه لغيرهم ؛ واما بخصوص تحدياتهم فقد قالوا وفعلوا , اذ حرروا الاراضي العراقية من دنس الحركات الارهابية والتنظيمات التكفيرية والفصائل المسلحة البعثية والانفصالية والاجرامية , ولا زال العمل مستمرا على استئصال المجرمين والجلادين والذباحين من ايتام النظام البائد وشراذم البعثية والطائفية .
وفي النقطة الثالثة : ادعى ان نوري المالكي قد جلب عناصر البعث وقام بتوظيفهم والاغداق عليهم ... ؛ ثم يدعي محاربتهم وتخليص البلاد منهم , أليست هذه ازدواجية ؟!
نعم ان كان المالكي او غيره قام بهذه الاعمال والاجراءات المنكوسة ؛ وان ثبت ذلك بالدليل , فهو يستحق لعنة الله والاغلبية والامة العراقية ؛ الا ان الدلائل تشير الى ان الضغوط الامريكية والخطط البريطانية الخبيثة ؛ تقتضي بإدخال تلك العناصر البعثية الحاقدة في العملية السياسية الجديدة للإساءة اليها , وتأخير عملية النهوض والتنمية ؛ و لا زال القضاء العراقي والنخب الوطنية والقيادات السياسية الشريفة بالمرصاد للبعثية وتدعو الى تفعيل حالات الاجتثاث ومعاقبة مجرمي البعث .
وقد ذكر في النقطة الرابعة , ما يلي : (( نوري المالكي لديه عداوة خاصة وشخصية مع البعثيين الموالين لصدام حسين والذين لازالوا يعتبرونه رمزاً لهم وقائداً لهم لأنه ( وقّع على إعدام صدام حسين واحتفل بإعدامه على طريقته الخاصة ) وبالتالي ليس من حقه ان يقحم الشعب العراقي وشيعة العراق بمعركته الشخصية مع الصداميين والبعثيين ( فخوفه هو يتحمله شخصياً ، وقراره يتحمله هو شخصيا , لاسيما بإعدامه لصدام حسين حرم الشعب العراقي من معرفة اسرار مهمة كارثية عن حقبة حكم صدام حسين، ومعرفة اسرار الحربين مع ايران وضد الكويت واسرار اخرى، ومعرفة اسرار خطيرة جدا عمرها ٣٥ سنة – فالشعب من حقه ان يعرف ذلك فلماذا حرم المالكي وقادة الاسلام السياسي الشعب العراقي من ذلك ؟ ! )) بطريقة خبيثة وبإيحاء شيطاني منكوس , يهدف منه الكاتب سمير عبيد للتفرقة بين امرين لا يمكن التفريق بينهما قط , وحصر دائرة المعارضة وبغض النظام والبعثية بالسيد نوري المالكي ؛ ولسان حاله يقول للمالكي ولأحرار الاغلبية والامة العراقية : ((أذهب أنت وربك فقاتِلا )) فكأنما القضية شخصية كما يدعي سمير عبيد بين المالكي وصدام والبعث ؛ ويشهد الله ان سمير عبيد من الكاذبين ؛ فالقضية اكبر من المالكي وغيره بمئات المرات ؛ لانها قضية أمة وطائفة وقوميات وجماعات واجيال , انها مأساة شعب ذاق الامرين , ودفع افدح الاثمان , اذ شاهدت الاجيال العراقية مناظر واحداث ومصائب تشيب من هولها الولدان , حيث الحروب العبثية ومعارك الوكالة والنيابة الخاسرة والتهجيرات والحصار والجوع والازمات والمقابر الجماعية والمعتقلات ... الخ ؛ بكل هذه السهولة يريد سمير عبيد ان يحصر دائرة الصراع التاريخي المر بين صدام وزبانيته والبعث ومجرميه بالسيد نوري المالكي فقط , الا ساء ما يحكمون ؛ ان من يريد التفريق بين معاداة الشيعي للبعث المجرم ومعارضة العراقي الاصيل لنظام السفاح صدام ؛ كمن يحاول التفريق بين الليل والظلام والنهار والضياء ؛ فكل من يترحم على النظام البائد ورجاله او يعمل على عدم محاسبتهم ؛ هو من حثالات المجتمع ومن دونية الاغلبية ومن سقط المتاع .
ان اعدام صدام مطلب الامة والاغلبية العراقية بل وشرفاء العالم اجمع , واعدامه جاء متأخرا وبطريقة رحيمة , فلو كانت هنالك عدالة لتم تسليم صدام الى ذوي ضحايا الانفال والكيماوي واحواض التيزاب والمقابر الجماعية وشهداء السجون وغرف التعذيب الرهيبة , وعن أية اسرار تتحدث , وهل صدام سوف يستجيب لجنابك ويحدثك بجرائمه واسرار نظامه مثلا , وهل هنالك شيء مخفي كي يحدثك صدام عنه , وهل تريد منا ان نصبر الى ان يكمل صدام قصصه واسراره ؛ فتكون محاكمته اشبه بقصص الف ليلة وليلة , ولو اني اعلم ان صدام لا يقتنع بألف ليلة وليلة , فلو فسح له المجال لثرثر وهذى الى ما شاء الله ؛ وعلل مطالبه النفاقية هذه بقوله : من حق الشعب ان يعرف ... ؛ من حق الشعب ان يعرف اسرار الحرب العراقية الايرانية وحرب الكويت الا انه ليس من حقه المطالبة باعدام صدام وانزال اقسى العقوبات بزبانيته ؛ لئلا يغضب ايتامه او تجرح مشاعر البعثية باعتباره قائدهم التاريخي ...؟!
وفي النقطة الخامسة , قال: (( ... ان رعب عودة البعث ماهي إلا فوبيا خاصة بالمالكي وبجماعات الإسلام السياسي وبحزب الدعوة حصراً ؛ وهي سيمفونية مشروخة من وجهة نظر الشعب العراقي . وغايتها العزف على الوتر الطائفي ... )) واني لأعجب لكاتب سياسي واعلامي يدعي انه ملم بالشأن السياسي ؛ لا يعرف ماهية حزب البعث وحقيقة البعثية , ألم يسمع سمير عبيد بالعمليات الارهابية و الاحداث الاجرامية التي قامت بها عصابات وتنظيمات البعث بعد العام 2003 , ألم تكن داعش الرهيبة والتي اجتاحت دول العالم ؛ صنيعة بعثية , ألم يجتمع البعثيون بين الفينة والاخرى في هذا البلد او ذاك , ألم ينسق البعثيون مع القاعدة والحركات الارهابية والتكفيرية والجهات والمخابرات الخارجية , فكان ولا زال البعثيون أدوات بيد الاستكبار والاستعمار, ومرتزقة يعملون مع الكل وبأبخس الاثمان , ألم يسمع سمير عبيد بتحركاتهم الاخيرة في امريكا وبريطانيا وبعض عواصم الغرب فضلا عن بعض العواصم العربية ...؟!
وما علاقة الطائفية باجتثاث البعث ؛ ألم تتدعوا ان البعث قومي عربي لا شأن له بالطوائف , فكيف ذلك وها انت تحصره بالدائرة السنية فقط ؟!
واخيرا ؛ جزم الكاتب سمير عبيد باستحالة عودة حزب البعث , وعلل ذلك لعدة اسباب , ومنها : التغيير الحاصل , والتحول الفكري والثقافي للشعب العراقي ... الخ ؛ وهل قوى الاستكبار والاستعمار تحترم عقول الشعوب او ثقافات الامم عندما تريد أمرا ما , فالكل يتذكر ان الاغلبية الساحقة كانت مع الزعيم عبد الكريم قاسم ومع ذلك تمت الاطاحة بنظامه من قبل شراذم طائفية مقيتة ولا تحظى بأية شعبية بل لا وجه للمقارنة بينهم وبين عبدالكريم , ومع ذلك جرى ما جرى , وكذلك كان الشعب نوعا ما راضيا عن حكومة عبدالرحمن عارف , وجاء اقل من 300 مرتزق بعثي واستولوا على الحكم , من دون مشورة النخب الوطنية او تأييد الشعب , وعندما تم طرد البعثيين من الحكم عام 1963 عادوا اليه مرة اخرى عام 1968 , ولديهم استعداد عجيب غريب في تبديل جلودهم كالحرباء وتغيير شعاراتهم وعناوينهم , ولا يوجد في السياسة ما يمنع من تكرار السيناريوهات , وفي تجربة تسليم افغانستان لحركة طالبان الإرهابية من قبل الامريكان والغرب ؛ اكبر دليل على قلناه , فلا تجزم بأمور لا يصح الجزم فيها ؛ فالسياسة لا تعترف بأي منطق ولا تحترم عقيدة او ثقافة .