أعرفُ شخصًا أربعينيّ العُمر، خانته امرأة عشرينية ذاتَ حادثة عاطفية، وما يزال متعثِّرًا في خطاه إلـى اليوم

بكى بهستيرية..

سهر الليالي..

سمع الأغاني..

شرب الخمر..

ندبَ حظَّه..

وكانت محاولة الانتحار آخر خَرَجَاته!

إلَّا أنَّ بِرَّه بوالديه باركَ بعُمره فزاده، أو أنَّ خيرًا فعله ذات إقبالٍ نفسيٍّ منه دار عليه في شكل إنقاذ..

وما أكثر المرَّات التي قابلته فيها في أسوءِ حالاته فكنتُ أخفِّف عنه ما به، لكنني لا أنبسُ معه ببنتِ شَفَة

بل أتركه وحده يُفرغ لي مملوءَاتَ قلبه، ومخبوءَاتَ صدره؛ إذْ أحيانًا قبل التفكير بالحلول وتسريح المواعظ، يجب حقن الدماء أوَّلًا (أي إنقاذه من قتل نفسه)!

لم أكن أريده أن يُنهيَ حياته بهذا الشكل الموحش، بقدر ما كنتُ أريده أن يرحل منها وهو مطمئنٌ..

يرحل منها وقد رجع إلى الله بشيء من التوبة، وبعيدًا عن فتوى قاتل نفسه كنتُ أريده أن يرحل من الحياة وهو مشحون بالإيمان، إذِ الجنة تتطلب نفسًا مُطمئة، والـنفس الـمطمئنة تتطلب رجوعًا إلـى الله!

ومن أخطر ما حدثَ له بعدَ أنْ نَزَفَ من قلبه كل الأمل في البقاء معها، أنَّه جعل النساء في عينيه سَواسية: [خائنات]!

وصَدَقَ فيه قول أبو الحسن التهامي:

وفَشَتْ خياناتُ الثقاتِ وغيرهم

حــــــــــتى اتَّهمنا رؤية الأبصـارِ

في الحقيقة يُخطئ الرجال لمَّا يعتقدون الخيانة طبعًا في النساء بمجرَّد أنْ تخونهم امرأة

ونفس الأمر يحدث للنساء حينما يريْن الرجال على دِين واحد من لمَّا يتعرَّضن لخيبة أمل مع رجل ما..

والواقع أنَّ مثل هذه الانتكاسات العاطفية والخيانات المشاعرية جزء لا يتجزَّأ من واقع الحياة

لا يخلو منها إنسان بصرف النظر عن علوُّ شانه وكِبَر مكانهِ، لكن يرجع السبب الرئيس في ذلك إلى الأخلاق وليس إلى نوعية الجنس..

فقد يتزوَّج الرجل أربعة نساء ولا تخونه واحدة منهن غائبًا كان أم شاهدًا

بينما قد يتزوَّج آخَرٌ بواحدة فقط وتفعل فيه ما تفعل البغايا! ومثل ذلك مع الرجال..

فالواقع مليء بالرجال الأوفياء والنساء الوفِيَّات، كما أنه مليء بالخونة والخائنات..

ومخطئ من يعتقد أنَّ جميع الوَفِيَّات في عِداد الوَفَيَات!

لكن على المرء ههنا أن يُجيد اختيار شريكه، فلا يختَر شريكًا هَشَّ الخُلق ثم يندب حظَّه بعد معاشرته، فإنَّ المؤمن فَطِنٌ كَيِّسٌ..

فإنْ حَدَثَ ووقع الإنسان في فخِّ الخيانة، فعليه أن يُسارع في إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، فإنَّ أوَّل الحريق ليس كآخره!

ومن ذلك أنْ يحملَ حقائبَ مشاعره ويرحل إلى مدينة النسيان

فبذلك يُمكنه أنْ يتجاوز

وبذلك يُمكنه أنْ يحميَ نفسه من أضرار الوجع الذي تُخلِّفه الخيانة!

ذلك الوجع الذي قد يقود إلى المرض النفسي

أو ربَّما قاد إلى الانتحار..

وما ذلك ببعيد، فما أكثر الذين وضعوا حدًّا لحياتهم بفعل خيانة عاطفية كانوا ضحايا لها.

ومثل هذا وارد.. بل وارد جدًّا!

لذلك هيِّئ نفسكَ للتحرُّك من أرض الخيانة إلى أرض تلتقطُ فيها أنفاسكَ

وتُعيد فيها ترتيب أوراقكَ

واحذر البقاء حيثُ خانوكَ، فإنَّ حياتكَ حينها على كَفِّ عفريت!

لو فرضنا أنَّ عدوًّا صوَّبَ نحوكَ سلاحه كي يقتلكَ، فلا حلَّ لكَ إلَّا أنْ تتحرَّك يَمنة ويسرة من أجل أنْ تُنقذَ نفسكَ، العيش في الحياة أيضًا هكذا..

لكي تُنقذ نفسكَ من عَدَائها تحرَّك ولا تَرْكَنْ في مكانكَ، فالركون للراقدين في مقابرهم

وبما أنكَ لا تفتأُ على قيد الحياة يلزمكَ أنْ تتحرَّك دائمًا، فالحياة تعني الحركة.

الماء الذي يبقى في مكانه ولا يسير سرعان ما يصير ماءً غيرَ صالحٍ للشرب، بعد أن ماتت المادة التي تُحييكَ عند شُربه.. وهكذا أنتَ، ينبغي عليكَ أن تجعل سَيركَ سُنة لا تُهجَر

وعقيدة لا تُتَحوَّل

ومبدءًا لا يُساوَم..

حينها فقط يُمكن الاطمئنان عليكَ، وعلى صحَّة رجولتكَ، لا سيَّما وأننا نعيش في عصر الرجولة النادرة نُدرة المواد الطبيعية في طعامنا!

صديقي الموجوع!

الحياة ليست امرأة.

والنساء لسنَ كلهنَّ خائنات

والخائنات منهنَّ دروس خُصوصيَّة لتكوين رجولتكَ؛ إذْ بعض النساء وإنْ كنَّا مفتقِرات للتربية إلَّا أنهنَّ مُربِّيات من الطراز العالي!

فلا تبقَ تندبَ حظَّكَ على خيانتها لكَ

وجِدْ لكَ سواها

فمن خانتكَ لم تكن تصلح لكَ

ولو لم تكن ذا شأن عند الله لعشتَ مخدوعًا بها طول نَفَسِكَ

ثمَّ لا تنسَ أنَّ بعض الألم ضروري

ضروري جدًّا إلى درجة أنَّ الحياة لا يُمكن أنْ تُستوعبَ بعدهُ من دونه!

#محمد_خمفوسي