بقلم: عبدالرّحمن اللامي

يتواجد الشيعة في كلّ دول العالم تقريباً، ويزيد عددهم على 400 مليون نسمة، وفي أكثر من 75 دولة بشكل رسمي وإحصائيّة محدّدة، ومن جانبٍ آخر فإنّ عدد المواكب الحسينيّة لا يتجاوز الـ50 ألف موكب في كلّ العالم، ونصف هذا العدد في العراق فقط، وهو مسجّل لدى قسم الشعائر والمواكب والهيئات الحسينية في العتبة العبّاسيّة المقدّسة، ونسبة هؤلاء من العدد الكلّي للشيعة في العالم هي: هي لكلّ 10 آلاف شيعي 125 فقط هم من أصحاب المواكب.

وممّا تقدّم نخرج بنتيجة: أنّ واحداً بالمائة تقريباً من الشيعة هو مَن يتفرّغ لترتيب الموكب الحسينيّ وإقامة العزاء في أيام استشهاد أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السّلام).

هؤلاء أصحاب المواكب هم من عامّة الناس، وهم من ذوي الدخل المحدود غالباً، ولكنّهم يتميّزون عن غيرهم بأنّهم أكثر التزاماً بتعاليم الدين الحنيف، ولذا تجدهم يُخرجون خمس فاضل مؤونتهم، ويحافظون على صلواتهم بأوقاتها، ويصومون النفل فضلاً عن الواجبات، ويَصِلون ويتصدّقون ويهبّون لنجدة إخوانهم، الى غير ذلك من الفضائل التي يتحلّوْن بها في الغالب..

ومن ناحية أخرى تجدهم أكثر التصاقاً من غيرهم بالقضايا الحسينيّة، فلهذا تجد الكثير من الصفات السامية التي اكتسبوها من الإمام الحسين (عليه السّلام) بادية عليهم، كحبّهم للوطن وعشقهم للشهادة من أجل الدفاع عن الأرض والعرض والدين، وهذا ما لمسناه وعشنا تفاصيله في مواقع القتال من الجبهات المتعدّدة على أرض الوطن، فصاحب الموكب تجده مقاتلاً مستبسلاً على الساتر الأول، وتجده معيناً ومطبّباً في الساتر الثاني، وهو في الخلفيّات ينصب موكبه ليهيّئ الغذاء والشراب والمتاع للمقاتلين.

هؤلاء أصحاب المواكب في صدورهم جذوة حبّ الإمام الحسين (عليه السّلام) متّقدةٌ ليل نهار وعلى مدار السنة، وجذوة حبّهم هذه هي المقصودة بقول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنّ لقتلِ الحسينِ حرارةً في قلوبِ المؤمنينَ لا تبرُدُ أبداً» ومن حبّهم للإمام الحسين (عليه السّلام) يحبّون زوّاره ويتشرّفون بخدمتهم ويبذلون الغالي من أجل راحتهم، ولهم في كلّ موسم من مواسم الزيارات المليونيّة فنون عجيبة ورائعة في طرق الخدمة وأدائها للزائرين.

ويتوهّم البعض من الذين يتّهمون أصحاب المواكب بأنّهم من رعاع الناس أو ممّن لم يُكمل تعليمه، وليسوا على قدر كافٍ من الوعي والثقافة الإسلامية، ولكنّك إن تأمّلت في حالهم ستجدُ أغلبَهم من علّيّة القوم، وستجدُهم من طلبة الجامعات والمعاهد والدراسات العليا، أو من الموظفين في الدولة، أو من الذين أكملوا شطراً من الدراسات الحوزويّة، ولقد جمعني لقاء مع السيد عبد الحمزة الموسوي وهو من كبار السنّ وأحد مديري موكب (الكفّ القطيع) وسألته عن الهدف من هذه الخدمة وهذا البذل؟ فأجابني جواباً مفحِماً ينمّ عن ثقافة وفطنة، قائلاً:

- هذه المواكب والشعائر ليست مجرد طقوس فارغة من المضمون كما يصوّرها البعض؛ بل هي ترسّخ أهداف الثورة الحسينيّة في نفوس مريديها، وهي تجري ضمن تخطيط ربّاني لإعداد أحرار العالم للثورة العالمية الكبرى، بقيادة قائم آل محمد الذي سيتحرّك بهذه الجموع المليونية عن قريب لدكّ عروش الظالمين والمستكبرين في العالم.

وتجد لدى كلّ واحد من أصحاب المواكب صندوقَ توفيرٍ ماليّ مخصّصاً باسم الإمام الحسين (عليه السّلام) يوفّرون فيه ما يتمكّنون عليه من التبرّع بالمال على مدار السنة، فيصرفوه في شؤون ومستلزمات موكبهم وخدمة زائري الإمام الحسين (عليه السّلام) وما يفضُل منه يضعونه في أماكن البرّ العديدة، مثل شراء كسوة لليتامى، أو إعطائه للعوائل الفقيرة، أو صرفه في المصالح العامة مثل ترميم المدارس والمساجد وغيرها.

وهؤلاء أصحاب المواكب هم خير مَن يصدق عليهم قول عقيلة الهاشميّين زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام) أنّهم ممّن ينصبون علماً للثورة الحسينيّة، حينما قالت مذكِّرة ابنَ أخيها الإمام السجاد عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام) ومواسية له: {لا يجزعنّك ما ترى، فوالله إنَّ ذلك لعهدٌ مِن رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى جَدِّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاقَ اُناسٍ مِن هذه الاُمّة لا تعرفهم فَراعِنَةُ هذه الاُمّة، وهم معروفون في أهل السّماوات أنَّهم يجمعون هذه الأعضاء المُتَفَرّقَةَ، فيُوارونَها، وهذه الجُسومَ المُضَرَّجة، وينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لِقَبر أبيك سيّدِ الشُّهداء، لا يُدرسُ أثرُهُ ولا يعفو رَسمُهُ على كرورِ اللّيالي والأيّام، وليجتهدنَّ أئمّةُ الكفرِ وأشياعُ الضّلالةِ في مَحْوِهِ وتطمِيسهِ، فلا يزدادُ أثرُهُ إلاّ ظهوراً، وأمرُهُ إلاّ عُلوّاً..}.