القرآن إذا جالسته رفعك بعزته، يستلهمك البيان المشرق، ويوحد مركزية العقل، يتعمق لأبعد نقطة فيك، فيفتح عليك باب التدبر
فيضيف عليك حياة غير الذي تعرفها، فبيدو عليك وقاراً عير متكلف، يعطيك فكرة بِكر، طاهرة لم تتأثر بأدران الذنب، يخضع قلبك ويحفظك، وإن كانت الفِتن خاطفة، والأمراض عصية، والقلوب وجلَة، أعطاك الله حديثه ليدلك على الطريق...
ليمضي معك رحلتك بكل تفاصيلها فمتى استحضرت القرآن في كل تفاصيلة من حياتك، فقد ضمنت نور الطريق، فكل إنسان مسكت يده كان حديُثك قرآنياً، وكل آية تعمّق بها فؤادك كانت ترقق قلبك وتطهره، وكل دقيقةٍ أمضيتها مع القرآن ستكون خيرًا مما سبق، وكل همسةٍ ذكرتَ بها الله خاليًا ففاضت عيناك ورقَّ قلبُك.. أحسنَ قلبك.
في القُرآنِ شفاءٌ لكلِ روحٍ كالماء العذب الذي شفى أيوب،
هو الحبل الممدود والهدف المنشود، هو المنقذ لكل روح متعبة
أثقلتها الدُّنيا فما عادت تدري آلأرضُ تحملُها ؟ أم هي من تحملُ الأرض على جنبات صدرها!
هو السكينة وسط معمعة البلايا والطمأنينة في عُقر الرزايا وشدتها.
اطرح على القرآن قضاياك همومك، وأسئلتك المُلحة،
إذا كانت روحك مُجدبة، فالقرآن غيث، ولا يكون القلب ربيعاً إلا به، القرآن يتلقى عنك سهام الخواطر فيكسرها، يطفئ سوء الظن فيك، يحرث كل خلية لتثمر فيك طمأنينة وأدب،
يستحيل أن تجد حالك قبل القرآن كحالك بعده...
(إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)
القرآن يقتلع الأشواك التي علقت بالنفس ليبنت مكانها زهوراً،
يسقيها حتى لاتذبل، أمنة بعد خوف، نعاساً بعد هلع، سعة بعد ضيق، برداً بعد بعد حر، سلامًا بعد حرب، يربط على قلبك في وقت حزنك،
وقع الآية على صدرك مرة بعد مرة، سيُشكل في روحك نوراً
هو الصاحب الذي لايخذل، والحبيب الذي لايمل، والمورد الذي لايجف!
ثم هَب أنك مُسافرٌ في قَفرٍ حالكُ السواد
هل تصحبُ لك من الناسِ مؤنساً عنده عدةُ إنارة تُهون مشقة السفر ! فكيف والمرقدُ طويلةٌ لياليه وشديدةٌ ظُلمته ولا يؤذنُ لك إلا بصاحبٍ واحدٍ يُنير عتمته ويؤنسك في وحشته ؛ ألا إن في القرآنِ لنورٌ في القبرِ فاستدرك صُحبته في الرخاء يصحبُك بالشدة، وتظلل بالكتاب تثبتُ "كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ " .
سماه الله روح ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا)
فتمسّك بآيِ القرآن تبني نفسك، كل قصةٍ هناك تروي بعض حكايتك، كل شخصيةٍ تلامس شيئًا من سريرتك، كل حدثٍ وفكرة يشق دربك، وإسق روحك به فإنه ورد وري لئلا تتيبس... وتموت.. قلبُك العطوف لا يهتزُّ ، وعقلُك الشّغوف يزدهر، وروحكَ الأبيّةتحلق في سماء الآيات كالنسر ، أيُّها الأبيّ الرَّضيّ، حفّ لحظاتك بالارتقاء ما دمت ذاك الشهيد الحيّ.