لماذا؟ لأنه يؤثر على علاقة الموظف مع مديره وزملائه وأيضا على دخله الشهري ، وتعجبني عبارة العقّاد حين تحدّث عن النفس فقال " إن الإنسان عندما يتحدث عن نفسه فلا بد أن يتحدث عن ثلاثة أشخاص آخرين ، فهناك (أنا) كما يراها الناس و (أنا) كما أرى نفسي و (أنا) كما أحب أن أكون" ، فالناس بطبيعتهم لا يحبّون أن يقيّمهم أحد فما بالك إن كان يؤثر على دخلهم الشهري ، هناك وللأسف بعض المدراء من يتخذ التقييم للموظف وسيلة لابتزازه بل ويوغل بجرح مشاعره وتطلّعاته ، فالأصل في التقييم هو المكافأة لما حصل والتقويم للمستقبل أي أنه بطبيعة ماضية ومستقبلية ، كم هو محزن فعلا أن يتم تقييم عمل موظف وهو في الأساس لم توضّح له المهام التي سيقيّم عليها ، فالأولى أن يكون الموظف على دراية تامّة بما هو متوقّع منه ويجب توفير العوامل التي تمكّنه من النجاح في عمله وهنا نأتي لأمر مهم وهو: أن تقييم الموظف لابد أن يغطّي عدّة أوجه منها عمل الموظف الأساسي وما يلحق به ، فمثلا تقييم عمل مندوب مبيعات لابد أن يكون على ما يحققه من مبيعات ، خدمته لعملائه ، سرعته في الاستجابة لطلبات العملاء ، علاقته مع إدارته ومن يعملون معه ، وغيرها كثير ، وبالتأكيد تختلف أهمية كلٍ منها ، ونعود مرة أخرى ونسأل: لماذا يتضجّر البعض من التقويم السنوي؟ لأنه في الغالب يصاحبه أخطاء فظيعة ومسيئة أحيانا ، فمثلا بعض المدراء يقيّم عمل الموظّف مقارنة بعمله هو وبالتأكيد سيجد نفسه أفضل منه ، وبعضهم يقيّم الموظفين جميعا على درجة واحدة أي يعطيهم جميعا (درجة متوسطة) وبذلك يرتاح هو من التفاصيل وكثرة النقاش ، بل وهناك من المدراء من يعجبه شيء معيّن وحيد (مثلا أسلوب الموظف) فيفيض من كرمه له وأحيانا العكس .. يكره شيئا وحيدا بأداء الموظف (كضعف كتابته للإيميل أو تأتأته في الحديث) فيتم تقييمه بشكل سيئ للغاية ، بالتأكيد .. سيتأثر الموظف لذلك وربما تتحطّم معنوياته لأنه يلمس سوءا في إدارة مديره وعدم تقديره لعطاءاته الأخرى. إن الفاحص للأمر يجد أن بعض الأعمال يسهل تقييم نجاح أفرادها (مثلا تحقيق مبيعات لصنف معيّن أو استقبال عدد معين من المكالمات) والبعض الآخر أصعب قليلا كتقييم مستوى الخدمة للعملاء وهل سعدوا بها أم لا ؟ وهناك أمور أصعب كأن يتم تقييم عمل مدير شركة على أساس النهوض بسمعة الشركة في مجال خدمة العملاء لتكون هي الرائدة في الخليج !! أي أن الأعمال بذاتها تختلف وهنا يجدر بقسم الموارد البشرية تقدير هذا الأمر وأن تكون المنافسة بين الموظفين عادلة ، أي لابد أن يتم التفريق بين السوق الاستهلاكي مثلا في الرياض مقارنة بمدينة أصغر منها حجما ، بل وأيضا بين موظفين لديهم الآلات حديثة ومتطورة وآخرين يعملون بشكل يدوي للإنتاج أو تلقّوا تدريباً متقدماً مقارنة بزملاء لهم لا يمتلكون مثل هذه المقوّمات.

ومن باب التوضيح ليس إلا لعلي أضرب مثالا من أرض الملعب الكروي ، حيث هناك فرق واضح في بين مدرّب الفريق والحكم ، حيث الأول قراراته بشكل أساسي للمستقبل والثاني يدير دفّة اللعب ويفصل بالأمر الماضي فحسب ، وللأسف هناك مدراء كثر يتخذون من القرارات كما أنّهم حكّام في أرضية ملعب ، لا ينتمون لفريق عملهم ولا يأبهون بمستقبل الشركة وتطوّرها ، بينما هناك من يقيّم عمل الموظف بطريقة أخذ آراء متعددة ، مثلا من زملاء الموظف نفسه والعملاء ورأي المدير بل ورأي الموظف في معرض الحديث عن نفسه ، لأن الموظف قد يظنّ أنه قد بلغ عنان السماء بأدائه ثم يصدم بحقيقة أخرى!!

هناك العديد من الشركات وللأسف لا يبالون للتقييم سوى أنه زيادة سنوية وبعضها يعتبرها "شرهة" وبعضهم يتخذها لقرار تقليل عدد الموظفين (الطرد) ، وهؤلاء بينهم وبين المهنية والاحترافية والشركات المتميزة إداريا سنون ضوئية وأفضل ما يقال لهم "الله بالخير" !! شخصيّا ، أسعد بالشركات أو المؤسسات التي تدرّب مسؤوليها على جودة التقييم وتوفّر سبل لتسهيل تقييم أعمال من يعملون لديهم ليكون الجميع على بيّنة ويكون التقييم بنّاءً ، إنني لا أعلم لماذا يتم تقييم الموظف بشكل سنوي ؟ لماذا لا يكون كل شهرين مثلا أو ثلاثة ؟! لماذا الانتظار وهل يكثر لدى المدراء تسجيل يوميّات موظفيهم ؟ لأني اعتقد بأن الذاكرة تتلاشى أحيانا عن تفاصيل ما حدث في شهر فبراير عندما يأتي موعد التقييم في ديسمبر !! وبظني أن الشركات تعتمد التقييم بشكل سنوي لأنه يسبب مشاكل وأبسط ما يقال عنه "أفّ" لذا فتجرّع مرارة واحدة أفضل من جعلها أربع مرّات في السنة !! نعم .. هو بعمقه للتمييز والتفاضل وصناعة ما نودّ ، نعم .. هو ضروري لأنه عامل مهم في نجاح المؤسسات وفشلها ، نعم .. الدقّة فيه مطلوبة وتدل على مهنيّة عالية في المؤسسة أو الشركة ، أخيرًا .. سيسأل الموظف: إنني متطلّع لرأيك بعملي يا سعادة المدير العام !!