رغم الاتفاق الذي وقع في السابع عشر من شهر اغسطس الماضي والذي بموجبه تم اقتسام السلطة بين المجلس العسكري سابقا وقوى إعلان الحرية والتغيير، إلا ان الأوضاع تتجه نحو طريق مجهول وسط تعقيدات تطبيق العدالة فيما يخص الانتهاكات والجرائم التي حدثت في فض اعتصام القيادة مع مطالبة شركاء الاتفاق بالحفاظ على بنود الاتفاق والذي تم بحضور وإشراف دولي، وهنا سنلقي الضوء على بعض التحديات التي تواجهها الفترة الانتقالية فيما يخص تحقيق العدالة لضحايا مجرزة القيادة العامة والتي وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرا في تقرير لها بأنها قد ترقى لجرائم ضد الإنسانية.

الوساطة الأفريقية وصناعة الأزمة:

Image title

رغم الجهود الكبيرة للوساطة الأفريقية لإقناع طرفي الصراع للوصول الى اتفاق سياسي لإدارة مرحلة ما بعد سقوط البشير وفض اعتصام القيادة إلا انها اغفلت مسألة تحقيق العدالة ولم ترسم طريقا للخروج من أزمة مسؤولية المجلس العسكري في فض اعتصام القيادة وان تحقيق العدالة لضحايا المجزرة قد يكون مستحيلا مع اتفاق تقاسم السلطة الذي يمنح اعضاء المجلس العسكري السابق مناصب شبه تنفيذية في مجلس السيادة ووزارتي الدفاع والداخلية بالإضافة لمنصب رئاسة مجلس السيادة لرئيس المجلس العسكري سابقا، بل حتى انها غضت الطرف عن خيار التحقيق الدولي والذي يمنح التحقيق مصداقية ومهنية اكثر مما قد تقدمه لجنة التحقيق المحلية والتي من المحتمل أن تُمارس عليها ضغوط من قبل السلطة الانتقالية، وهنا يتضح ان الوساطة الافريقية لم تناقش قضية فض الاعتصام وتحقيق العدالة لضحايا المجزرة نقاشا مستفضيا بل سعت لتحقيق اتفاق باسرع وقت ممكن خوفا من تفجر الأوضاع في البلاد.

ما الذي منحه الاتفاق لقوات الدعم السريع؟

Image title

احد الاسباب التي جعلت قائد قوات الدعم السريع يوافق على توقيع الاتفاق مع قوى إعلان الحرية والتغيير هو الخروج من مأزق فض اعتصام القيادة والذي تُتهم فيه قوات الدعم السريع بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش بالمشاركة بالجزء الأكبر من الانتهاكات التي حدثت في ذلك اليوم والتي استمرت لليوم التالي لفض الاعتصام، بالإضافة للشرعية الدولية التي تبحث عنها هذه القوات وقد كان ذلك واضحا عندما قام حميدتي بإستدعاء عدد من السفراء الأجانب بعد الانقلاب على البشير وقد كان من بينهم السفير البريطاني والذي تحدث معه عن تاريخ قوات الدعم السريع وسمعتها السيئة المرتبطة بما حدث في دارفور، وكما يعلم الجميع فقد اعترفت الوثيقة السياسية والدستورية والتي وقعت بمباركة المجتمع الدولي بقوات الدعم السريع وتبعيتها للجيش السوداني بالإضافة لتسمية قائد قوات الدعم السريع في مجلس السيادة من قبل الجانب العسكري وهذا ما كانت تبحث عنه قوات الدعم السريع.

هل فعلا تم توريط قوات الدعم السريع في فض اعتصام القيادة؟

رغم الاتهامات المتداولة بتورط قوات الدعم السريع في عملية فض اعتصام القيادة خاصة مع نشر الفيديوهات التي تم بثها لعملية فض اعتصام القيادة إلا أن .. وعطفا على ما ذكرناه سابقا بخصوص بحث هذه القوات عن شرعية واعتراف دولي لها ومحاولات تحسين صورتها وصورة قائدها، يبدو ان هناك تناقضا في هذا الأمر فمن غير المعقول ان يخاطر الفريق حميدتي بتشويه صورته وصورة قواته مرة اخرى بالرغم من رغبة اعضاء المجلس العسكري السابق بفض اعتصام القيادة كما صرح بذلك الناطق الرسمي السابق للمجلس العسكري الفريق كباشي، وهنا قد تم تدوال العديد من الفرضيات عن تخطيط طرف ثالث لتوريط قوات الدعم السريع في عملية فض الاعتصام بهذه الوحشية في حين كان من الممكن عدم استخدام العنف في عملية فض الاعتصام خاصة ان اعداد المعتصمين في ساعة فض الاعتصام لم تكن كبيرة حسب شهادات متطابقة، لكن تظل هذه الفرضيات من دون قيمة مالم يؤكدها القضاء او لجنة التحقيق المحلية التي شكلها رئيس الوزراء للتحقيق في أحداث فض اعتصام القيادة.

ماذا سيحدث في حال توجيه الاتهام لقائد الدعم السريع في أحداث فض اعتصام القيادة؟

ان اي محاولة إنقلاب من الجانب العسكري على السلطة الانتقالية قد تعود سلبا على الجانبين المدني والعسكري، عندها سيفقد المدنيين فرصة الحكم مرة أخرى كما حدث من قبل، وستتلاشى جميع فرص إعادة الديموقراطية في البلاد وبالمقابل قد تقود الى الملاحقة الدولية للجانب العسكري في مجلس السيادة وفرض عقوبات دولية، لذلك ليس من مصلحة العسكر التخطيط للقيام بإنقلاب على السلطة الانتقالية التي يمثلون جزءا منها في الوقت الحالي، بل قد لا توجد لديهم نية في ذلك خاصة مع الرغبة الخفية لقائد الدعم السريع في الوصول الى السلطة عبر انتخابات مبكرة كان قد صرح رئيس حزب الأمة وهو أحد اكبر الأحزاب السودانية بإمكانية اجراءها في حال فشل الفترة الانتقالية والذي صرح أيضا بتأييده لفكرة ترشح الفريق حميدتي للإنتخابات اذا رغب الاخير في ذلك، أو للمشاركة في الانتخابات المتوقع قيامها بعد انتهاء الفترة الانتقالية، ويجب ان نستصحب هنا أيضا حديث عضو مجلس السيادة من المدنيين "صديق تاور" في تصريح صحفي له على صحيفة الانتباهة الى اشارة طرفي الاتفاق بعد اتفاقهما على مهلة الثلاث سنوات للفترة الانتقالية الى امكانية زيادتها فوق الثلاث سنوات اذا تطلب الأمر ذلك، وهذا ما قد يضمن وجودا لفترة اطول للجانب العسكري في السلطة الانتقالية، وعلى ضوء ما سبق قد لا نجد نية للعسكر في الإنقلاب على السلطة الانتقالية ولكن قد يحدث ذلك في حال توجيه الاتهام بصورة رسمية لقائد قوات الدعم السريع او رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان أو كلاهما معا كونهما يشكلان رأس الشق العسكري في مجلس السيادة، وهذا ما يتناقض مع الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه سابقا حيث اوضحنا ان الاتفاق عبارة عن تقاسم للسلطة، فليس من الممكن ان يقبل العسكر في مجلس السيادة فكرة ان يتم اتهامهم بجرم قد يتسبب بإبعادهم عن السلطة وانهاء شراكتهم مع المدنيين.

وهنا وبكل بساطة فإن توجيه الاتهام لقيادة الجانب العسكري في مجلس السيادة في حال اثبتت لجنة التحقيق تورطهم قد يقود الى إنقلاب عسكري على السلطة الانتقالية خاصة ان العسكر ليس لديهم ما يخسرونه مرة اخرى في حال خسارة السلطة الانتقالية وسيضمن لهم الانقلاب في حال حدوثه تمددا عسكريا واقتصاديا دون اي قيود على عكس ما يحدث الآن في ظل وجود حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.

إن النتائج التي قد تتوصل اليها لجنة التحقيق  ستضع البلاد بين خيارين لا ثالث لهما وهما إما تحقيق العدالة لضحايا مجزرة اعتصام القيادة في حال لم تكن قيادة المجلس العسكري سابقا متورطة في تلك العملية، أو خيار الانقلاب العسكري في حال توجيه الاتهام لقيادة الجانب العسكري في مجلس السيادة في حال ثبت تورطهم، وهنا قد يرى بعض السياسيين افضلية تغليب المصلحة العليا للبلاد ولكنه بالتأكيد لن يكون خيار الشارع السوداني والذي يطالب يوميا بالعدالة لضحايا مجزرة اعتصام القيادة.