ست سنوات مرت على مجزرة غرغور(بعد صلاة الجمعة يوم 15 نوفمبر 2013),التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى,القضاء لم يحرك ساكنا,انّى له ان يتحرك وهو يقبع في بيئة تغص بالمجرمين, وناهبي المال العام والخاص,بفضل الصلاحيات التي منحتها لهم قوانين (شريعة)الثورة شريعة الغاب,البقاء للأقوى,للارذل,فالمجرمون لا يزالون يمعنون في قتل ونهب وتدمير وتشريد وخطف على الهوية,ازدادت الجرائم بحق الناس,والقتل لأتفه الأسباب وبدون سبب,سنوات عجاف تمر على البشر,لم يعودوا قادرين على ألحياة.

******

مع دخول بعض الدول العربية مجال التغيير غير المنظم ,كثر الهرج والمرج واستبيحت كل المقدسات ,لم تعد للفرد قيمة رغم ان الشعار الذي رفع هو رفع الظلم عنه وتمكينه من ممارسة حرية الرأي والتعبير والعيش بكرامة بعد سنوات طويلة من الحرمان والقهر, وعندما تتحدث بمرارة عن ما آلت اليه الامور تسمع من يهدئ من روعك بان الثورة الفرنسية اقدمت على قتل آلاف الأشخاص بطريق الخطأ ولا بد من تقديم التضحيات فالثورة تأكل ابناءها ان لم تجد من تأكله,محاولة ولا شك لتبرير ما يجري وإضفاء صفة الشرعية عليه ,اذ كيف يمكن ان نقارن بين عقلية الانسان الفرنسي قبل اكثر من مائتي عام وعقلية الإنسان العربي المسلم المتحضر,فلو سلمنا بالمساواة بين العقليتين فلا خير في هذا الجيل الذي وللأسف يتصرف وكأنه يعيش العصور الوسطى عصور الانحطاط في كافة المجالات.

 تدخلت  العصابات المسلحة في كل امور الدولة كبيرها وصغيرها فاستولت على مقرات الخدمات العامة,بل عملت جهدها في فرض قانون العزل السياسي,ولقد ساهمت الحكومة الى حد كبير في مهادنة الميليشيات وأجزلت لها العطاء خاصة انها كانت تستعين بهم بين الفينة والأخرى.  

وأخيرا وقع المحظور ودفعت طرابلس بأعز ابنائها قربانا لحرية بقية الابناء, مرة اخرى كشفت العصابات المسلحة عن وجهها الصفيق فلم يكفها ما حققته من جاه وسلطان وثروات نهبتها بحجة انها املاك عامة كان يتمتع بها اعضاء النظام السابق وبالتالي فلهؤلاء(على رأيهم) حق التمتع مثل غيرهم خاصة وأنهم ضحوا بأنفسهم في سبيل اسقاط النظام, ذاق سكان المدينة طعم المرارة والذل على يد ميليشيات يفترض انها تسعى للسهر على راحة المدنيين, لم يذق سكان المدينة طعم الراحة, اصوات الرصاص بمختلف انواعه تصمخ اذانهم كل ليلة,انهم يتصرفون كمنتصرين وينظرون الى بقية فئات الشعب باحتقار.

ان دماء من سقطوا في المسيرة السلمية المطالبة بخروج الميليشيات من العاصمة في اعناق اعضاء الحكومة والمؤتمر آنذاك والحكومات المتعاقبة,اذ ما كان لهم يسايروا هذه العصابات طوال هذه المدة حتى استقوت ومكثت في الاماكن التي ارتأتها قريبة من التجمعات السكنية للتحكم وقت تشاء في مصير سكان العاصمة بنصب البوابات التي تعيق حركة السير والخطف والسلب والتنكيل وتجبر الاهالي على التزام البيوت,كان بمقدور من يتولون الحكم ان لا تصل الامور الى هذا الحد ,كان عليهم مطالبة مجلس الامن بالتدخل عسكريا لحماية البلد وخاصة استتباب الامن بالعاصمة وإخراج الميليشيات بالقوة وهي صاغرة بل تجريدها من السلاح لتعود ادراجها من حيث أتت, فالنظام سقط وأعوانه اما بالسجون او مشردون خارج الوطن ولم يعد هناك داع لبقائهم بالعاصمة او بضواحيها.لن تقف الامور عند هذا الحد بل ان الميليشيات تستجمع قواها بمعسكرات خارج المدينة لفرض سيطرتها,فهذه العصابات تريد ان تسفك المزيد من الدماء كما اهدرت مليارات الدولارات, ويلوح في الافق اطالة امد المعاناة وبالتالي سقوط المزيد من الابرياء حيث القوى المحسوبة على الحكومة لا حول لها ولا قوة.

لقد كتب على سكان العاصمة التضحية من اجل البلد, فكذا كان حالها ابان الغزو الايطالي حيث جرت على ارضها اشد المعارك وسقط مئات الشهداء ناهيك عن الجرحى وتم نفي خيرة رجالاتها الى الجزر غير المأهولة حيث لم يعد منهم إلا القليل ,لقد قدمت طرابلس وما جاورها اكثر من ستة آلاف شهيد لدى دخول الاسبان الى المدينة,وقد اجبروا على عدم التقدم شرقا,فسلمت عدة مدن من ويلاتهم فهل من يذكر او يستذكر ذلك.

ستظل أرواح الشهداء تمثل كابوسا للمجرمين والمرتزقة تطاردهم حيثما حلوا,فالظلم الى زوال,دماء الشهداء التي لم تتوقف يوما توقد شعلة الحرية فتزداد توهجا,تنير درب الاحرار,تفقأ اعين المجرمين,تحرق أجسادهم المتكونة من المال الحرام,ويبقى الامل معقودا على القوى الحية من أبناء الوطن الشرفاء,وتتحقق العدالة, وينعم الشعب بخيرات بلاده التي تهدر دونما حسيب ولا رقيب.