وقفات حول الآية(2) من سورة الأعراف

4

 قال تعالى( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ)  [الأعراف:2].

 وتخلية القلب من حرج شرط للإيذان بالإنذار. واستمرار ألا حرج وأفيده من دلالة الفعل المضارع(يكن) . ومعه استمرارإنذار. وأفيده من دلالة الفعل المضارع(تنذر) ومنه أفيد أيضا(ثبوت الحالة). بمعنى أن مضايقة الدعاة ماضية ونتاجها حرج يجده في صدره نفي عنه كما وأن إنذاره ماض ومكلف به.

 وتلك من طبائع(الحالة). صراع واختلاف وتباين لاائتلاف بين الحق والباطل. وكان من واجب الدعاة العاملين إعداد أنفسهم لمجابهة وضع كهذا متمولين بالتقوى ومتسربلين بالخشية فذلكم زادهم، وهذا عونهم ألم تر أن الله تعالى قال(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة:197]؟!.وهي وقاء من حرج.

وليس ممكنا الإنذارإلا بعد التخلي من حرج. ومخاطبة الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بذلك لأهميته لمصلحة دعوته. ومن جانب آخر ليكون سنة في الخلف من بعده لتهيئة نفوس الدعاة على تحمل تلكم(حالة)، وإعداد الزاد اللازم لها. ذلك لأنه(لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ)![ البخاري: بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، واللفظ له، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :160]. وحذف فاعل تنذر وجوبا للعلم به واهتماما أيضاً.

 والإنذار إنما هو بالقرآن . ذلك أن القرآن له ٱثره في النفوس. وذلك لأن للقرآن عمله في القلوب. ولأنه تعالى قال(وَذَكِّرْ بِهِ )[الأنعام: 70] . أي بالقرآن وقد وثق التاريخ أن قوما من قريش وهم صناديد اللغة كانوا(يسترقون القرآن) ولما سمعه أكثم بن صيفي قال لقومه: إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها !.

والآية محل الكلام تشير إلى أن الإنذار بالقرآن. كما قال تعالى :( لِتُنذِرَ بِهِ) . وما  كلام بشر مهما أوتي من بلاغة بنذير.! وما لبيان أحد مهما بلغ من تأثير مقابلة بالقرآن! ولهذا أقررها للعاملين أن يعرضوا القرآن على الناس، ويذكروا به، ولو كانوا كفارا. لأنه قال(وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ)[الرعد:31].

وأقول: إن ورود كاف الخطاب غيرمرة في ههنا واستتار ضمير الفاعل وجوبا في (لتنذربه) إنما هو تنويه بشأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وإعظام لقدره. وذلكم لتحمله تبعات الدعوة ولأوائها. ومنه أيضاً كان لدعوته تشريف ولطريقته إشادة. فبها إتقانا وبالقرآن بيانا يخرج الناس من الظلمات إلى النور وما كان ذلكم شأنه فرفيع إذن شأوه.

والإنذاربالقرآن . لأن الله قال (هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ)[الأنعام:19] فكأنما نزل القرآن إذن لعلة واحدة وهي الإنذار به! ذلك وإن وظيفة القرآن متعددة وذلك أيضا نابع من مقتضى بركته. وكلما تطلعنا إلى آية من آياته نبين منها وظيفة عظمى! ومنه تتأكد وظائفه المركبة كيما يتفق ذلكم مع كونه كتابا مباركا. فأنت إذا طالعت آيَ الكتاب تكونت لديك منظومة أوسع ما يكون الوسع وأشمل ما يكون الشمول وأجمل مايكون الجمال حول وظيفته وبيان طريقته. وذلكم أيضا إنما كان وهو آخذ بتلابيب قلوب قارئيه. وهو شاحذ لأفئدة تاليه . ذلك لأننا نقرأ قوله الله تعالى: ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً  ) (الإسراء :9).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ  ) (الأنعام : 122).

وكما نقرأ قوله تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ  ) (البقرة : 185).

 وكما نقرأ قوله تعالى : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ  ) (الزمر : 23).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( ِإنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ  * َلا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (فصلت : 42 -41) .

 وكما نقرأ قوله تعالى : ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ  ) (يونس : 1).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( َتبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً  ) (الفرقان : 1).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ  ) (النمل : 1 - 2) .

وكما نقرأ قوله تعالى: ( َهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) (الأنعام : 92).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( ِإنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ  ) (فاطر : 29 - 30).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ  ) (الأعراف : 170).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ  ) (البقرة : 1 - 2).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( ُقلْ لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً  ) (الكهف : 109).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) (القمر : 17) .

وكما نقرأ قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  ) (لقمان : 27).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ  * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ  ) (آل عمران : 113 - 114).

وكما نقرأ قوله تعالى: ( َيا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً  ) (النساء : 174).

ومن فضائله أنه كلام الله تعالى. فقد قال سبحانه: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ  ) (التوبة : 6).

 ومنه نفهم أنه ليس مجرد ترانيم تتلى في مناسبات القوم، وإنما ليكون واقع حياة للناس، بأمره يأتمرون وعن نهيه ينزجرون، ليكون لهم الفلاح وليتم لهم الصلاح. وإن هموا حادوا فليذوقوا.

والإنذار بالقرآن، منضافا إليه سنته وهديه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.ذلك لأنه قال من حديث عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: (تركتُ فيكم أيُّها الناس، ما إنِ اعتصمتم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))   [صحيح . أخرجه الحاكم في ((المستدرك))، والمروزيُّ في ((السُّنة)) (68)، والعُقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (2/250)، (318)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (5/449).]) . وقوله(ألا إنِّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَهُ معهُ، لا يُوشِكُ رجُلٌ شبعانٌ على أريكتِهِ يقولُ عليكُم بِهذَا القُرآنِ فما وجدتُم فيهِ مِن حَلالٍ فأحلُّوه وما وَجدتُم فيهِ مِن حرامٍ فحرِّمُوه، ألا لا يحلُّ لكُم لحمُ الحِمارِ الأهليِّ، ولا كلِّ ذي نابٍ من السَّبُعٍ، ولا لُقَطةِ معاهَدٍ، إلَّا أن يستَغني عَنها صاحبُها، ومَن نزل بقومٍ فعليهِم أن يُقْرُوه، فإن لَم يُقْرُوه فله أن يُعْقِبَهُمْ بمثلِ قِرَاه).الراوي: المقدام بن معد يكرب الكندي | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 4604 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.

والقرآن والسنة هما الوحيان. وبهما نجاة العبد وصلاحه. ومن دونهما خبط عشواء. فلا رأسمالية ولااشتراكية ولابينهما. فذلكم نكد عيش، وتسلط فئام.

 قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم(خَيْر الحَديثِ كِتابُ الله، وخَير الهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ)[أخرجه مسلم:867، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه].

والقرآن وحيه تعالى، ويزعم جهلة كل زمان وكأنه من صنع بشر ،وانظر إلى قوله تعالى(قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ)[يونس:15]كيما يوافق أهواءهم. ومن تفرده أنه لا تعرفه مجاملة في حق أو مداهنة في باطل . ليسلم بالناس إلى حيث سعادتهم . لكن القوم ينكصون! ولكن الناس يتمردون على القرآن!

وكأن القرآن لم تحيَ به أمة يوما ما !

وكأن القرآن لم تسعد به البشرية يوما ما .

وكأن القرآن لم يوجد في ظل العمل به فقير يوما ما !ولله الأمر من قبل ومن بعد!

ويعقدون مجالس نيابية فوق القرآن! والله المستعان!.

واللافت حذف مفعول(لتنذر). وهوما يشيع فضاء واسعا أمام النص ليشمل كل مخاطب أمكن توجيهه إليه، لعموم الرسالة للثقلين وشمول الدعوة من كان لها محلا وموضوعا. وهو ما يعطيها زخمها كيما لايقال محسوبية! وكيما لاتزعمَ مماحكةكان جنسها كأئنا من كان.

وذلك لأن دعوتنا من خصائصها العموم لتشمل كل أفراده.

 وفرق بين الإنذار والذكرى. فالإنذار حامل لمعاني الزجر والوعيد، ولذا جاء في القرآن لأصناف عهد فيهم الشرود، وعرف عنهم النكوص. كما قال تعالى(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)[مريم:97]. وقد أشار في شفقة ورحمة الى المتقين فقال(لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) الذين ينفعهم التذكار ، ويؤثر فيهم الوعظ. ولذا قال(وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)!.

 وسواء قصد بالحرج ضيق أو شك فذاك من حيث إجرائه كمعنى. لكنه من إجرائه أنه حرج. ومصطلحات القرآن بورودها أماكنها الجديرة بها كما هي عادته لتعطي اللفظ جرسا وتهبه إيقاعا فريدا ليؤدي معناه على أكمل وجه كان! وقصدنا بعدُ ذكر أثره - أي الحرج -  في إعاقة رسالة الإنذار. ومنه كان لزوم تخلية الصدر منه تماماً.

 وهي عامة لكل مخاطب. وهي عامة بكل أفراد الإنذارمن أصول الدين وقواعده وفروع الرسالة وأطرافها معا. كيما تبدو في أجمل حلتها، وكيما تبلغ أثرها في أبهى زينتها. لتبلغ أوجها سارة للناظرين، ولتؤتي ثمارها في إذعان المخاطبين. فالإنذار للناس جميعهم، والإنذار بالدين كله. ولاأنصاف حلول ولامماحكات.

 وإنما أنزل الله تعالى كتابه ليبين به للناس سبل نجاتهم، وأسباب فوزهم، وأغناهم سبحانه عناء تشريعات لاتحقق سعادة أبدأ. ذلك لأنه تعالى يعلم صلاحهم فدل عليه، و يعلم سبحانه أسباب فسادهم فحذر منه. وحسبهم أن يعبدوه. وهي غاية خلقه لهم. وجعل منها الإئتمار بأوامره، والانتهاء عن زواجره، رغم عود نفعها إليهم !.

وكون القرآن ذكرى، تفاؤل به. وهو كذلكم!

وكون هذكرى للمؤمنين رفعا لشأنهم، وتقديرا لإذعانهم اختيارا دون لجج من جدال أو لدد في خصومة. ولذا جاء فيهم(أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ، إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الرعد: 19]. وأثنى عليهم بأنه(تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ)[ق: 8] فهو عبد! وهو عبد منيب! والقرآن له - لكل عبد -  تبصرة وذكرى! وهو حشد هائل للقرآن وللمؤمنين.

وبليغٌ مجيئ (لتنذر) جملة فعلية. دلالة على نصَبٍ سيلقاه العاملون أبدا في مواجهة الباطل!

وبليغ أن تأتي ذكرى مصدرا، وهي معطوفة على الفعل. دلالة على يسر المؤمنين، وسلاسة انقيادهم وبُعد جدالهم، لأنهم قالوا ( سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[البقرة:285] ومن ثمّ كان دعاؤهم(غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير)البقرة:285]تشوفا لرحمته، ورجاء جنته.

ولأن تبعة البلاغ ثقيلة وطأتها لعلمه تعالى بحرب شاملة سيعلنها معسكر ضخم من الناكصين والمنتفعين والمستعبدين الناس في مواجهة دعوة تحررالإنسان من كيد الإنسان، فقد تولى الله تعالى زمامها نصرا لعباده وتأييدا لأوليائه.وأفيده من نفي حرج تولاه سبحانه عن رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وعن الدعاة العاملين.والله المستعان.